للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فإن ذلك عادتهم المستمرة.

وفي ذلك إشارة إلى أن العاقل مهما تيسر له دفع الخصوم بطريق صالح لا يوقع نفسه في خطر الهلاك بالمحاربة والمقاتلة بالاختيار، إلا أن يكون مضطرًا. قال بعضهم: من السؤدد الصلح وترك الإفراط في المغيرة.

وفي "الفتوحات المكية": للملك أن يعفو عن كل شيء إلا عن ثلاثة أشياء، وهي: التعرض للحرم، وإفشاء سره، والقدح في الملك. نسأل الله حسن الأدب في طريق الطلب.

ومعنى الآية: أي قالت لهم حين عرضوا عليها أنفسهم لقتال سليمان: إنّ الملوك إذا دخلوا قرية فاتحين أفسدوها بتخريب عمائرها، وإتلاف أموالها، وأذلوا أهلها بالأسر والإجلاء عن موطنهم، أو قتلوهم تقتيلًا ليتم لهم الملك والغلبة، وتتقرر لهم في النفوس المهابة، وهكذا يفعلون معنا، وفي هذا تحذير شديد لقومها من مسير سليمان إليهم ودخوله بلادهم.

٣٥ - ثم لما قدمت لهم هذه المقدمة، وبينت لهم ما في دخول الملوك إلى أرضهم من المفسدة .. أوضحت لهم وجه الرأي عندها، وصرحت لهم بصوابه، فقالت: {وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ}؛ أي: إلى سليمان وقومه رسلًا {بِهَدِيَّةٍ} عظيمة، وهي (١) اسم للشيء المهدي بملاطفة ورفق {فَنَاظِرَةٌ} هو؛ أي: فمنتظرة. قال في "كشف الأسرار": الناظر ها هنا بمعنى المنتظر، و {الفاء} فيه للعطف على مرسلة.

{بِمَ} أصله بما، على أنه استفهام؛ أي: بأي شيء. {يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ} بالجواب من عنده حتى أعمل بما يقتضيه الحال، و {بِمَ} متعلق بـ {يَرْجِعُ}؛ أي: إني أجرب هذا الرجل بإرسال رسلي إليه بهدية مشتملة على نفائس الأموال، فإن كان ملكًا أرضيناه بذلك، وكفينا أمره، وإن كان نبيًا لم يرضه ذلك؛ لأن غاية مطلبه، ومنتهى أربه هو الدعاء إلى الدين فلا ينجينا منه إلا إجابته ومتابعته، والتدين بدينه، وسلوك طريقته، وإني ناظرة فيما يرجع به رسلي المرسلون بالهدية


(١) روح البيان.