للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

من قبول أو رد، فعاملة بما يقتضيه ذلك.

والمعنى: أي (١) وإنى ساْرسل إليه هدية من نفائس الأموال؛ لأتعرف حاله، وأختبر أمره، أنبي هو أم ملك، فإن كان نبيًا لم يقبلها، ولم يرض منا إلا أن نتبعه على دينه، وإن كان ملكًا قبل الهدية، وانصرف إلى حين، فإن الهدايا مما تورث المودة، وتذهب العداوة. وفي الحديث: "تصافحوا يذهب الغل، وتهادوا تحابوا وتذهب الشحناء", ولقد أحسن من قال:

هَدَايَا النَّاسِ بَعْضُهُمُ لِبَعْضٍ ... تُوَلِّدُ في قلُوْبِهِمُ الْوِصَالاَ

وَتَزْرَعُ فِيْ الضمِيْرِ هَوَى وَوِدًّا ... وَتُكْسِبُهُمْ إِذَا حَضَرُوْا جَمَالاَ

وحال القصة (٢): أن بلقيس كانت امرأة لبيبة عاقلة، قد ساست الأمور وجربتها فأهدت وصفاء ووصائف. قال ابن عباس: مئة وصيف، ومئة وصيفة. وقال وهب وغيره: عمدت بلقيس إلى خمس مئة غلام، وخمس مئة جارية، فألبست الجواري لباس الغلمان الأقبية والمناطق، وألبست الغلمان لباس الجواري، وجعلت في أيديهم أساور الذهب، وفي أعناقهم أطواف الذهب، وفي آذانهم أقرطة، وشنوفًا مرصعات بأنواع الجواهر، وحملت الجواري على خمس مئة فرس، والغلمان على خمس مئة برذون، على كل فرس سرج من الذهب مرصع بالجواهر وأغشية الديباج، وبعثت إليه لبنات من ذهب، ولبنات من فضة، وتاجًا مكللًا بالدر والياقوت، وأرسلت بالمسك والعنبر والعود والألنجوج، وعمدت إلى حقة جعلت فيها درة ثمينة غير مثقوبة، وخرزة جرع معوجة الثقب، ودعت رجلًا من أشراف قومها - يقال له: المنذر بن عمرو - وضمت إليه رجالًا من قومها أصحاب عقل ورأي، وكتبت مع المنذر كتابًا تذكر فيه الهدية، وقالت: إن كنت نبيًا فميز بين الوصفاء والوصائف، وأخبرنا بما في الحقة قبل أن تفتحها، وأثقب الدرة ثقبًا مستويًا، وأدخل في خرزة خيطًا من غير علاج إنس ولا جن، وأمرت بلقيس الغلمان، فقالت: إذا كلمكم سليمان فكلموه بكلام فيه تأنيث


(١) المراغي.
(٢) الخازن.