للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقرأ الجمهور: {نُفَصِّلُ} بالنون، حملًا على رزقناكم. وقرأ عباس عن ابن عمر: بياء الغيبة، مراعيًا لضرب إذ هو مسند للغائب {لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}؛ أي: يستعملون عقولهم في تدبر الأمور والأمثال؛ لأنهم الذين ينتفعون بالآيات التنزيلية والتكوينية؛ باستعمال عقولهم في تدبرها والتفكر فيها.

وحاصل معنى الآية (١): أي بين الله تعالى إثبات وحدانيته، بما يكشفها من ذلك المثل المنتزع من أحوال أنفسكم وأطوارها، التي هي أقرب الأمور إليكم، وبه يستبين مقدار ما أنتم فيه من الضلال بعبادة الأوثان والأصنام، فتسرعون إلى الإقلاع عن عبادة من لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًا.

وهذا مثل ضربه الله للمشركين به، العابدين معه غيره، الجاعلين له شركاء، وهم معترفون بأن شركاءه من الأصنام والأوثان عبيده وملكه، إذ كانوا يفولون في التلبية والدعاء حين أداء مناسك الحج: لبيك اللهم لبيك، لا شريك لك، إلا شريكًا هو لك، تملكه وما ملك.

وخلاصة المثل: أن أحدكم يأنف أن يساويه عبيده في التصرف في أمواله، فيكف تجعلون لله الأنداد من خلقه.

{كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ}؛ أي: مثل هذا التفصيل البديع، بضرب الأمثال الكاشفة للمعاني، المقربة لها إلى العقول، إذ تنقل المعقول إلى المحسوس، التي هي به ألصق، ولإدراكه أقرب، نفصل حججنا وآياتنا لقوم يستعملون عقولهم في تدبر الأمثال، واستخراج مغازيها ومراميها للوصول إلى الأغراض، التي لأجلها ضربت، ولمثلها استعملت، فيستبين الرشد من الغي، والحق من الباطل، ولأمرٍ ما كثرت الأمثال في جلاء الحقائق، وإيضاح ما أشكل منها على الناظرين.

٢٩ - ثم بين أن المشركين إنما عبدوا غيره سفهًا من أنفسهم، وجهلًا، لا ببرهان قد لاح لهم؛ أي: أعرض عن مخاطبتهم، وبين استحالة تبعيتهم للحق، فقال: {بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا} أنفسهم بالشرك، وكفروا بالله؛ أي (٢): لم يعقلوا شيئًا


(١) المراغي.
(٢) روح البيان.