للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وأوكده بأن يكون جازمًا؛ أي: غير محتمل للنقيض، وثابتًا؛ أي: غير زائل بالتشكيك بعد أن يكون مطابقًا للواقع، فالإيقان هنا مجازٌ عن طلب اليقين على طريق ذكر السبب وإرادة المسبَّب، ولا بُعْد في نصب الدلائل لطلَّاب اليقين ليحصِّلوه بها، وإنّما حمل على المجاز؛ لأنّ الموقن بالمعنى المذكور لا يحتاج إلى نصب الدلائل، وبيان الآيات، فبيان الآيات له طلبٌ لتحصيل الحاصل.

وفي الآيات (١): إشارةٌ إلى أنَّهم ما قالوا ذلك لخفاء في الآيات، أو لطلب مزيد اليقين، وإنّما قالوه؛ عتوًّا وعنادًا، وحاصل (٢) الجواب من الله تعالى: إنّا قد أيَّدْنا نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - بالمعجزات، وبَيَّنَّا صدق ما جاء به بالآيات القرآنية، والمعجزات الباهرة، فكان طلب هذه الزوائد من باب التَّعنُّت، فإذا كان كذلك لم تجب إجابتها.

١١٩ - {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ} يا محمد! كافَةً للناس حالة كونك ملتبسًا {بِالْحَقِّ}؛ أي: بالدِّين الحق، والهدى المستقيم، والقرآن العظيم، وحالة كونك {بَشِيرًا}؛ أي: مبشِّرًا للمؤمنين بالثواب الجسيم، وجنات النعيم {وَنَذِيرًا}؛ أي: ومنذرًا ومخوِّفًا للكافرين من العقاب الأليم، وعذاب الجحيم، فلا بأس عليك إن أصرُّوا، أو كابروا.

والمعنى: إنَّ شأنك بعد إظهار صدقك في دعوى الرسالة بالدلائل، والمعجزات، ليس إلّا الدعوة والإبلاغ، والتبشير والإنذار، لا أنْ تجبرهم على القبول والإيمان، فلا عليك إن أصرُّوا على الكفر والعناد، فإنَّ الأحوال أوصافٌ لذي الحال، والأوصاف مقيِّدةٌ للموصوف {وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ} ما لَهُمْ يؤمنوا بعد أن بَلَّغْتَ، والجحيم: المكان الشديد الحرِّ، والمتأجِّجُ من النار؛ أي: ولست يا محمد! بمسؤولٍ عن أصحاب النار؛ أي: وليس عليك عهدةٌ وتبعةٌ في عدم إيمانهم بعد ما بلَّغت ما أرسلت به، وبذلت جهدك في دعوتهم، إنَّما عليك البلاغ، وعلينا الحساب، وذلك أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "لو أنَّ الله عزَّ وجلّ أنزل بأسه باليهود لآمنوا" فأنزل الله هذه الآية.


(١) البيضاوي.
(٢) المراح.