للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

٣٣ - ثم قال: سبحانه وتعالى: بيانا للموجب لإمهالهم، والتوقف في إجابة دعائهم {وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ}؛ أي: وما كان من سنة الله تعالى، ولا من مقتضى رحمته وحكمته أن يعذبهم وأنت الرسول موجود مقيم فيهم؛ لأنه إنما أرسلك رحمة ونعمة، لا عذابا ونقمة، فإنك ما دمت فيهم، فهم في مهملة من العذاب الذي هو الاستئصال مع أنه قد جرت سنته أيضا أن لا يعذب أمثالهم من مكذبي الرسل وهم بين أظهرهم، بل كان يخرج الرسل أولا، كما حدث لهود، وصالح، ولوط، وقرأ أبو السمال: {وما كان ليعذبهم} بفتح اللام، وهي لغة غير معروفة ولا مستعملة في القرآن.

{وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ} هذا الاستئصال {وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}؛ أي: وفيهم من يستغفر من المسلمين الذين بقوا فيهم بعد الهجرة؛ أي: وما كان الله ليعذبهم هذا العذاب الذي عذب بمثله الأمم قبلهم، فاستأصلهم وفيهم من يستغفر من المسلمين الذين بين أظهرهم ممن تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم من المستضعفين، فلما خرجوا من بين أظهرهم عذبهم بيوم بدر وما بعده.

روى ابن جرير قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم بمكة فأنزل الله {وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ} ثم خرج إلى المدينة فأنزل الله: {وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} وكان من بقي في مكة من المؤمنين يستغفرون فلما خرجوا أنزل الله {وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ} الآية، فأذن الله في فتح مكة فهو العذاب الذي وعدهم به، وقيل: المعنى وما كان الله معذبهم وفي أصلابهم من يستغفر الله تعالى، وقيل: المعنى وهم يستغفرون في الطواف بقولهم: غفرانك.

قال أهل المعاني (١): دلت هذه الآية على أن الاستغفار أمان وسلامة من العذاب.

عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «إن الله أنزل عليّ


(١) الخازن.