للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

جميعه، إذ الحرم كله في حكم البيت الحرام.

والمعنى (١): أي لكم في تلك الهدايا منافع، كركوبها حين الحاجة، وشرب ألبانها حين الضرورة إلى أن تنحر، ويؤكل منها، ويتصدق بلحومها، ثم مكان حل نحرها عند البيت العتيق؛ أي: عند الحرم جميعه، إذ الحرم كله في حكم البيت كما مر آنفًا. وقيل: المعنى: ثم بعد انتفاعكم بها محلها؛ أي: حلول تلك الهدايا، ونزولها ونهاية أمرها وحياتها إلى حرم البيت العتيق؛ لأنها تذبح في الحرم. والعتيق (٢) المتقدم في الزمان والمكان والرتبة. أخرج البخاري في "تاريخه"، والترمذي، وحسنه، والحاكم وصححه، وابن جرير والطبري وغيرهم عن ابن الزبير قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنما سماه الله البيت العتيق؛ لأنه أعتقه من الجبابرة فلم يظهر عليه جبار قط" وإلى هذا ذهب قتادة، وقد قصده تبع ليهدمه فأصابه الفالج، فأشير إليه أن يكف عنه، وقيل له: "إن له ربا يمنعه"، فتركه وكساه، وهو أول من كساه. وقصده أبرهة فأصابه ما أصابه.

٣٤ - {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ} من الأمم، لا لبعض منهم دون بعض، فالتقديم للتخصيص. {جَعَلْنَا مَنْسَكًا}؛ أي: متعبدًا وقربانًا يتقربون به إلى الله تعالى، والمراد به إراقة الدماء لوجه الله تعالى. والمعنى: شرعنا لكل أمة مؤمنة أن ينسكوا له تعالى. يقال: نسك ينسك ونسوكاً ومنسكاً بفتح السين إذا ذبح القربان. وقرأ الجمهور (٣): {منسَكا} بفتح السين على القياس مطلقًا؛ لأنه من باب نصر، كما سيأتي في مبحث التصريف، وقرأ بكسرها على الشذوذ الأخوان حمزة والكسائي وابن سعدان وأبو حاتم عن أبي عمرو، ويونس ومحبوب وعبد الوارث إلا القصبي عنه، قال ابن عطية: والكسر في هذا من الشاذ، ولا يسوغ فيه القياس، ويشبه أن يكون الكسائي سمعه من بعض العرب اهـ.

والأمة الجماعة المجتمعة على مذهب واحد. والمعنى: وجعلنا لكل أهل


(١) المراغي.
(٢) روح البيان.
(٣) البحر المحيط.