للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

دين من الأديان ذبحًا يذبحونه ودما يريقونه، أو متعبدًا، أو طاعة، أو عيدًا، أو حجًا يحجونه، وليس ذلك خاصًا بقوم دون آخرين.

{لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ} وحده دون غيره، ويجعلوا نسكهم خالصًا لوجهه الكريم، علَّل (١) الجعل به تنبيهًا على أن المقصود الأصلي من المناسك تذكر المعبود. {عَلَى} ذبح {مَا رَزَقَهُمْ} وإعطائهم {مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ}؛ أي: عند ذبحها. وفي تبيين (٢) البهيمة بإضافتها إلى الأنعام، تنبيه على أن القربان يجب أن يكون من الأنعام، وأما البهائم التي ليست من الأنعام كالخيل والبغال والحمير، فلا يجوز ذبحها في القرابين، وإن جاز أكلها، وسماها بهيمة؛ لأنها لا تتكلم. والمعنى؛ أي: وإنما شرعنا لهم ذلك كي يذكروا الله حين ذبحها، ويشكروه على ما أنعم به عليهم، إذ هو المقصود الأعظم.

وفي "الصحيحين": عن أنس أنه أُتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بكبشين أملحين فيهما بياض يخالطه سواد أقرنين، فسمى وكبر، ووضع رجله على صفاحهما. وروى أحمد عن زيد بن أرقم قال: قلت: يا رسول الله، ما هذه الأضاحي؟ قال: "سنة أبيكم إبراهيم". قالوا: ما لنا منها؟ قال: "بكل شعرة حسنة". قالوا: فالصوف؟ قال: "بكل شعرة من الصوف حسنة".

ثم أخبرهم سبحانه بتفرده بالألوهية، وأنه لا شريك له. فقال {فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} والفاء فيه لترتيب ما بعدها، على ما قبلها من الجعل المذكور، وتعليله. والخطاب للكل تغليباً للمخاطبين على غيرهم؛ أي: جعلنا لكل أمة منسكًا، فإن إلهكم إله منفرد يمتنع أن يشاركه شيء في ذاته وصفاته، وإلا لاختل النظام في العالم؛ أي (٣): فإن معبودكم واحد، وإن اختلفت العبادات بحسب الأزمنة والأمكنة، ونسخ بعضها بعضًا، فما المقصد منها جميعًا إلا عبادة الله وحده لا شريك له. كما قال: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ


(١) روح البيان.
(٢) روح البيان.
(٣) المراغي.