للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

لأنهم لو خافوا النار لما اقترحوا الآيات، فلعدم خوفهم منها أعرضوا عن التذكرة لا لامتناع إيتاء الصحف.

والمعنى (١): أي إنما دسّاهم وطبع على قلوبهم، وأعمى أبصارهم أنهم كانوا لا يصدّقون بالآخرة، ولا يخافون أهوالها. ومن ثم أعرضوا عن التأمل في تلك المعجزات الكثيرة، وقد كانت كافية لهم جدّ الكفاية في الدلالة على صدق دعوى محمد - صلى الله عليه وسلم - للنبوة، فطلب الزيادة يكون من التعنت الذي لا مسوغ له. وقرأ الجمهور {يَخَافُونَ} بياء الغيبة، وأبو حيوة بتاء الخطاب التفاتًا.

٥٤ - ثم وبّخهم على إعراضهم عن التذكرة فقال: {كَلَّا} ردع لهم عن إعراضهم عن التذكرة {إِنَّهُ} الضمير في {إِنَّهُ} وفي {ذَكَرَهُ}؛ للتذكرة؛ لأنها بمعنى الذكر أو القرآن كالموعظة بمعنى الوعظ والصيحة بمعنى الصوت. {تَذْكِرَةٌ} بليغة كافية. فالتنوين فيه للتعظيم. وفي "برهان القرآن" أي: تذكير للحق، وعدل إليها للفاصلة؛ أي: ليس الأمر كما يقول المشركون في هذا القرآن من أنه سحر يؤثر، بل هو تذكرة من الله لخلقه، ذكّرهم به، فليس لأحد أن يعتذر بأنه لم يجد مذكرًا ولا معرفًا.

٥٥ - ثم ما ذكر هو كالنتيجة لما سلف، فقال: {فَمَنْ شَاءَ} من عباده أن يذكره، ولا ينساه، ويتعظ به قبل حلوله في رمسه. {ذَكَرَهُ}؛ أي: جعله نصب عينيه، وحاز بسببه سعادة الدارين، فإنه ممكن من ذلك.

٥٦ - ثم ردّ سبحانه المشيئة إلى نفسه، فقال: {وَمَا يَذْكُرُونَ} بمجرد مشيئتهم للذكر، كما هو المفهوم من ظاهر قوله تعالى: {فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (٥٥)}، إذ لا تأثير لمشيئة العبد وإرادته في أفعاله. وضمير (٢) الجمع إمّا أن يعود إلى الكفرة؛ لأنّ الكلام فيهم أو إلى {مَن} الموصولة نظرًا إلى عموم المعنى لشموله لكلّ من المكلّفين.

وقرأ نافع وسلام ويعقوب {تذكرون} بتاء الخطاب ساكنة الذال، وباقي السبعة وأبو جعفر والأعمش وطلحة وعيسى والأعرج {يَذْكُرُونَ} بالياء. وروي عن


(١) المراغي.
(٢) المراغي.