للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ويدخلونها، ويقاسون حرها. {يَوْمِ الدِّينِ}؛ أي: يوم الجزاء الذي يكذبون به، إما صفة لـ {جَحِيمٍ}، أو في محل (١) نصب على الحال من الضمير المستكن في متعلَّق الجار والمجرور، أو مستأنفة واقعة في جواب سؤال مقدر نشأ عن تهويلها كأنه قيل: ما حالهم فيها؟ فقيل: يقاسون حرها، كما قال الخليل: صلي الكافر النار؛ قاسى حرها، وباشره ببدنه. ولم يصف النعيم بما يلائمه لأن ما سبق من الكلام كان في المكذبين الفجرة لأن المقام مقام التخويف، وذكر تبشير الأبرار لأنه ينكشف به حال الفجار الأشرار لأن الأشباه تعرف بأضدادها، ومعنى {يَصْلَوْنَهَا}: أنهم يلزمونها مقاسين لوهجها وحرها يومئذٍ.

وقرأ الجمهور (٢): {يصلونها} مخففًا مبتيًا للفاعل، مضارع صلى الثلاثي، وقرأ ابن مقسم مشددًا مبنيًا للمفعول.

ومعنى الآيات: أي إن أهل الثواب - وهم الأبرار - يكونون في دار النعيم، وأن أهل العذاب - وهم الفجار - يكونون في دار الجحيم، دار العذاب الأليم، يقاسون أهوالها.

١٦ - ثم بين أن هذا العذاب حتم لا منجاة لهم منه ولا مرب، فقال: {وَمَا هُمْ}؛ أي: وما الفجار {عَنْهَا}؛ أي: عن الجحيم {بِغَائِبِينَ} طرفة عين؛ أي: إنهم لا يغيبون عنها، ولا ينفكون عن عذابها، بل هم ملازمون لها، ونحو الآية قوله تعالى: {وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا} فالمراد: دوام نفي الغيبة، لا نفي دوام الغيبة، وقيل: وما كانوا غائبين عنها قبل ذلك بالكلية، بل كانوا يجدون سمومها في قبورهم حسبما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "القبر روضة من رياض الجنة، أو حفرة من حفر النار".

١٧ - ثم عاد إلى تفخيم ذلك اليوم وتهويل أمره، فقال: {مَا أَدْرَاكَ} وأعلمك، الخطاب لكل من يتأتى منه الدراية، وقال الكلبي: الخطاب للإنسان الكافر، وقيل: للنبي - صلى الله عليه وسلم -، والمعنى: أي شيء أعلمك به لو لم نعرفك أحواله، و {مَا}: مبتدأ، و {أَدْرَاكَ} خبره {مَا} خبر قوله: {يَوْمُ الدِّينِ} و {ما} لطلب الوصف، وإن كان وضعه لطلب الحقيقة، والمعنى (٣): أيُّ شيء جعلك داريًا وعالمًا ما يوم الدين؟


(١) الشوكاني.
(٢) البحر المحيط.
(٣) روح البيان.