في البحر جميعًا، بل المراد من كان معه من الأصل، ومن كان متابعًا له ومنتسبًا إليه، هذا غاية ما يمكن أن يقال. وقال سيبويه: إن {كَانَ} زائدة، وإن المراد الإخبار عن المشركين بعدما سمعوا الموعظة.
٦٨ - {وَإِنَّ رَبَّكَ} يا محمد {لَهُوَ الْعَزِيزُ}؛ أي: الغالب المنتقم من أعدائه كفرعون وقومه {الرَّحِيمُ} بأوليائه كموسى وبني إسرائيل. قال بعضهم: هذا التأويل هو الذي يقتضيه ظاهر السياق، فإن قوله تعالى:{إِنَّ فِي ذَلِكَ ...} الخ. ذَكر في هذه السورة في ثمانية مواضع: أولها في ذكر النبي عليه السلام وقومه كما سبق، وذكر النبي عليه السلام وإن لم يتقدم صريحًا فقد تقدم كناية. والثاني في قصة موسى، ثم إبراهيم، ثم نوح، ثم هود، ثم صالح، ثم لوط، ثم شعيب، عليهم الصلاة والسلام، فتعقيب القول المذكور بكل قصة من هذه القصص يدل على أن المراد بالأكثر هو من لم يؤمن من قوم كل نبي من الأنبياء المذكورين، وقد ثبت في غير هذه المواضع أيضًا أن أكثر الناس من كل أمة هم الكافرون، فكون كل قصة آية وعبرة إنما يعتبر بالنسبة إلى من شاهد الواقعة، ومن جاء بعدهم إلى قيام الساعة، فيدخل فيهم قريش؛ لأنهم سمعوا قصة موسى وفرعون مثلًا من لسان النبي - صلى الله عليه وسلم -، فكانت آية لهم مع أن بيانها من غير أن يسمعها من أحد آية أخرى موجبة للإيمان، حيث دل على أنه ما كان إلا بطريق الوحي الصادق.
وقد رجَّح بعضهم رجوع ضمير {أَكْثَرُهُمْ} إلى قومه - صلى الله عليه وسلم -، فيكون المعنى أن في ذلك المذكور لآية لأهل الاعتبار، كما في المذكور في أول السورة آية أيضًا، وما كان أكثر هؤلاء الذين يسمعون قصة موسى وفرعون - وهم أهل مكة - مؤمنين لعدم تدبرهم واعتبارهم، فليحذروا عن أن يصيبهم مثل ما أصاب آل فرعون، وإن ربك لهو العزيز الغالب على ما أراد من انتقام المكذبين، الرحيم البالغ في الرحمة، ولذلك يمهلهم ولا يعجل عقوبتهم بعدم إيمانهم بعد مشاهدة هذه الآيات العظيمة بطريق الوحي مع كمال استحقاقهم لذلك.
وفي الآية (١): تسلية لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنه كان يغتم قلبه المنير بتكذيب قومه