للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والإنس، الذين لا يهتدون بما أرسلَ به رسلَه، وبما أنزلَ عَلِيهم من كتبه لهداية المكلفين، والحكم بين المُخْتَلِفِينَ.

١٢٠ - ولما ذكر (١) الله سبحانه وتعالى في هذه السورة الكريمة قَصَصَ الأمم الماضية، والقرُونَ الخالية، وما جرَى لهم مع أنبيائهم .. خاطب نبيَّه - صلى الله عليه وسلم - بقوله: {وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ}؛ أي: وكل نبأٍ وخبر من أنباءِ الرسل المتقدمين من قبلك، وأخبارهِم مع قومهم، مما يحتاج إليه، وما جرى لهم من المحاجات، والخصومات، وما احتمله الأنبياء من التكذيب، والأذى، وكيف نَصَر الله حِزبَهُ المؤمنين، وخذل أعداءَه الكافرين، نقصه عليك، ونخبره لك لفوائدَ، منها: ما ذكره بقوله: {مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ} حتى يكون كالجبل لتقومَ بأعباء الرسالة، ونشر الدعوة لما لك من الأسوة بإخوانك المرسلين. وهو بدل من {كلًّا}؛ أي: نقص عليك من تلك الأنباء ما نقوي ونشد به قلبكَ، حتى يَزيدَ يقينك، وتطيبَ به نفسك، وتعلم أن الذي فعل بك قد فعل بالأنبياء قبلك، والإنسان إذا ابتليَ بمحنة وبلية، فرأى جماعةً يشاركونه فيها خف على قلبه بَلِيَّته كما يقال: البلية إذا عمت خفت وطابَتْ. وتثبيت (٢) الفؤاد هو بما جرى للأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ولأتباعهم المؤمنين، وما لقوا من مكذبيهم من الأذى. ففي هذا كله أسوة بهم؛ إذ المشاركة في الأمور الصَّعْبة تهوِّن ما يلقَى الإنسانُ من الأذى، ثم الإعلام بما جرَى على مكذبيهم من العقوبات المستأصلة بأنواع من العذاب، من غرق، وريح، ورجفة، وخسف، وغَيرِ ذلك فيه طمأنينة للنفس، وتأنيس بأن يُصِيبَ الله من كذَّب الرسولَ - صلى الله عليه وسلم - بالعذاب كَمَا جَرَى لمكذبي الرسل، وإنباء له عليه الصلاة والسلام بحسن العاقبة له، ولأتباعه، كما اتفقَ للرسل وأتباعِهم. ومنها: ما ذكره بقوله: {وَجَاءَكَ} يا محمَّد {فِي هَذِهِ} الأَنْبَاء المقصوصة عليك، أو في هذه السورة، {الْحَقُّ}؛ أي: البراهين الدالةَ على التوحيد، والنبوة {وَمَوْعِظَةٌ}؛ أي: تنفير للمؤمنين من الاغترار بالدنيا.

{وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ}؛ أي: إرشاد لهم إلى الاستعداد للآخرة؛ أي: وجاءك


(١) الخازن.
(٢) البحر المحيط.