قوله تعالى: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (٤٤) ...} إلى آخر السورة، مناسبتها لما قبلها: أنَّ الله سبحانه وتعالى لما أثبت أن القرآن تنزيل من رب العالمين، وليس بشعر ولا كهانة ... أكد هذا بأن محمدًا لا يستطيع أن يفتعله؛ إذ لو فعل ذلك لأبطلنا حجته وأمتنا دعوته، أو سلبناه قوة البيان فلا يتكلم بهذا الكذب، أو قتلناه فلم يستطع نشر الأكاذيب، وقد جرت سنتنا بأن كل متكلف للقول لا يقبل قوله، ولا يصغي السامعون إلى كلامه، كما قال:{وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ}. ولا يستطيع أحد بعدئذٍ أن يدافع عنه.
ثم ذكر أن القرآن عظة لمن يتقي الله ويخشي عذابه، وأنه حسرة على الكافرين حينما يرون ثواب المؤمنين، وإنه لحق لا ريب فيه. ثم أمر رسوله بأن يقدس ربه ويشكره على ما آتاه من النعم، وعلى ما أوحى به إليه من القرآن العظيم.
أسباب النزول
قوله تعالى: {فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ (٣٨) وَمَا لَا تُبْصِرُونَ (٣٩) إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (٤٠) وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ (٤١)} ... إلخ، قال مقاتل: سبب نزول هذه الآيات: أنّ الوليد بن المغيرة قال: إنّ محمدًا ساحر، وقال أبو جهل: شاعر، وقال عقبة: كاهن. فنزلت الآيات ردًّا عليهم.
التفسير وأوجه القراءة
١ - {الْحَاقَّةُ (١)} هي من أسماء القيامة من حق الشيء إذا ثبت ووجب، أي: الساعة الواجبة الوقوع الثابتة المجيء. سمّيت الساعة حاقّة لوجوب مجيئها وثبوت وقوعها. وهو مبتدأ،
٢ - و {مَا} مبتدأ ثان {الْحَاقَّةُ (٢)} خبر للمبتدأ الثاني، والجملة خبر للمبتدأ الأول، والرابط تكرير المبتدأ بلفظه، هذا ما ذكروه في إعراب هذه الجملة ونظائرها؛ أي: الحاقة أي شيء هي في حالها وصفتها تفخيمًا لشأنها وتعظيمًا لهولها.
ومقتضى التحقيق: أن تكون {ما} الاستفهامية خبرًا لما بعدها، فإن مناط الفائدة بيان أن الحاقة أمر بديع وخطب فظيع، كما يفيده كون {ما} خبرًا، لا بيان