للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

تتقلب في ذلك اليوم القلوب بين طمع في النجاة وخوف من الهلاك، وتتقلب فيه الأبصار من أي ناحية يؤمر بهم، أمن ناحية اليمين، أم من ناحية الشمال. ومن أي ناحية يعطون كتابهم، أمن قبل إليمين، أم من قبل الشمال؛ أي: فإنهم وإن بالغوا في ذكر الله تعالى، والطاعات خائفون لعلمم بأنهم ما عبدوا الله حق عبادته.

وقيل: تتقلب القلوب عما كانت عليه في الدنيا من الشك إلى اليقين، وتنفتح الأبصار من الأغطية. وقيل: يتقلب القلب في الجوف فيرتفع إلى الحنجرة، فلا ينزل ولا يخرج. ويتقلب البصر فيشخص من هول الأمر وشدته. ونحو الآية قوله: {وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ} وقوله: {إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ}.

٣٨ - ثم بين مآل أمرهم وحسن عاقبتهم، فقال: {لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ} سبحانه {أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا} واللام (١) فيه للعاقبة والصيرورة لا للعلة متعلقة بمحذوف تقديره: يفعلون ما يفعلون من التسبيح والذكر، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، ليجزيهم الله سبحانه أحسن ما عملوا؛ أي: حسن ما عملوا. فالمفاضلة ليست على بابها، فالمحترز عنه، المجازاة على العمل القبيح. فالمعنى: ليجزيهم الله سبحانه على ما عملوا من الحسنات حسبما وعدهم، من تضعيف ذلك إلى عشرة أمثاله، وإلى سبع مئة ضعف.

قال تعالى: {إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا} ولا يجزون على ما عملوا من السيئات؛ أي: عملوا ما عملوا ليصير مآل أمرهم، وعاقبته الجزاء الحسن، فليست اللام للعلة، كما مر آنفًا؛ لأن هذه مرتبة عامة المؤمنين، وتلك الأوصاف إنما هي لكامل الإيمان.

{وَيَزِيدَهُمْ} سبحانه {مِنْ فَضْلِهِ} وإحسانه وكرمه أشياء لم يعدهم بها على أعمالهم، ولم تخطر ببالهم. وهو العطاء الخاص لا لعمل؛ أي: فلا يقتصر في


(١) الصاوي.