للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

لأهل السعادة في الدنيا والآخرة، ولأهل الشقاوة لكن في الدنيا فقط، فإنهم يجلبون بها المقاصد الدنيوية من المناصب والأموال والنعم، وقد عوَّض الله سبحانه عن عبادة الشيطان قبل كفره طول عمره، ورأى أثرها في الدنيا، فلا بد من السعي بالإيمان والعمل الصالح. اهـ.

٦٨ - {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ} أن يخلقه {وَيَخْتَارُ} ما يشاء اختياره واصطفاءه من خلقه كمحمد - صلى الله عليه وسلم -؛ أي: فكما أن الخلق إليه فكذا الاختيار في جميع الأشياء له، لا يُسئل عما يفعل وهم يسألون، قال الزجاج: الوقف على {وَيَخْتَارُ} تام، و {مَا} في قوله: {مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ} نافية؛ أي: ليس لهم أن يختاروا على الله شيئًا ما وله الخيرة عليهم، وهذا (١) متصل بذكر الشركاء الذين عبدوهم واختاروهم، وقيل: إن هذه الآية جواب عن قولهم: {لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ}، وقيل: هذه الآية جواب عن اليهود، حيث قالوا: لو كان الرسول إلى محمد غير جبريل لآمنا به.

ولم يُدخل (٢) العاطف في {مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ} لأنه بيان لقوله: {وَيَخْتَارُ}، إذ المعنى: أن الخيرة لله سبحانه، وهو أعلم بوجوه الحكمة في أفعاله، فليس لأحد من خلقه أن يختار عليه، ومن جعل {مَا} موصولة ووصل الكلام على معنى: ويختار الذي لهم فيه الخيرة فقد أبعد، بل {مَا} لنفي اختيار الخلق، وتقرير اختيار الحق سبحانه، ومن قال معناه: ويختار للعباد ما هو خير لهم وأصلح فهو مائل إلى الاعتزال، و {الْخِيَرَةُ} يستعمل بمعنى المصدر، وهو التخير، وبمعنى المتخير، كقولهم محمد خيرة الله من خلقه.

ومعنى الآية (٣): أي وربك يا محمد يخلق ما يشاء خلقه، وهو وحده سبحانه دون غيره يصطفي ما يريد أن يصطفيه ويختاره، فيختار أقوامًا لأداء الرسالة وهداية الخلق، وإصلاح ما فسد من نظم العالم، ويميز بعض مخلوقاته


(١) الشوكاني.
(٢) النسفي.
(٣) المراغي.