للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

٣٩ - {وَمَاذَا عَلَيْهِمْ}؛ أي: وما الذي يصيبهم من الضرر {لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ} ورسوله {و} بمجيء {اليوم الآخر} إيمانًا صحيحًا يظهر أثره في العمل، {وَأَنْفَقُوا} في الخيرات {مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ} تعالى ابتغاء وجه الله، وطلبًا لمرضاته، وإنما (١) قدم الإيمان هنا وأخره في الآية الأخرى؛ لأن القصد بذكره إلى التحضيض ههنا والتعليل ثمة. وفي هذا الأسلوب إثارة تعجيب الناس من حالهم؛ إذ هم لو أخلصوا .. لما فاتهم منفعة الدنيا، ولفازوا مع ذلك بسعادة العقبى، فكثيرًا ما يفوت المرائي ما يرمي إليه من التقرب إلى الناس، وامتلاك قلوبهم، ويظفر بذلك المخلص الذي لم يكن من همه أن أحدًا يعرف ما عمل.

فجهله جدير بأن يتعجب منه؛ لأنه جهل بالله، وجهل بأحوال الناس، ولو آمن وأخلص ووثق بوعد الله ووعيده .. لكان في هذا سعادته، فالإيمان سلوى من كل فائت، وفقده عرضة لليأس من كل خير، وأما المؤمن فأقل ما يؤتاه في المصائب الصبر، الذي يخفف وقعها على النفس، وأكثره رحمة الله، التي بها تتحول النقمة إلى نعمة، بما يستفيد من الاختبار والتمحيص وكمال العبرة والتهذيب.

وقد يبتلي الله المؤمن ويمتحن صبره، فيعطيه إيمانه من الرجاء به ما تخالط حلاوته مرارة المصيبة حتى تغلبها، وقد يأنس بها أحيانًا؛ لعظم رجائه وصبره، وهذا وإن كان نادرًا فهو واقع حاصل، {وَكَانَ اللَّهُ} سبحانه وتعالى {بِهِمْ} وبأحوالهم المخفية {عَلِيمًا} يعني: لا يخفى عليه شيء من أعمال هؤلاء الذين ينفقون أموالهم لأجل الرياء والسمعة، فلا يثيبهم بما ينفقونه رئاء الناس، فينبغي للمؤمن أن يكتفي بعلم الله في إنفاقه، ولا يبالي بعلم الناس، فهو الذي لا ينسى عمل العاملين، ولا يظلمهم من أجرهم شيئًا.

وفي هذه الآيات الكريمة الهداية الكافية في معاملة الناس لربهم ولبعضهم بعضًا، ولكن المسلمين قصروا في اتباع هذه الأوامر، وأعرضوا عن مساعدة ذوي


(١) الخازن.