أسلفوا من السيئات، واجترحوا من الآثام والذنوب، ولما كانت رحمته ورأفته بخلقه هي الغالبة .. قال:{إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا}؛ أي: إنه تعالى من شأنه الستر على ذنوب التائبين، والرحمة بهم، فلا يعاقبهم بعد التوبة، وفي هذا حث عليها في كل حين، وبيان نفعها للتائبين.
٢٥ - ثم رجع يحكي بقية القصص، وفصل ذلك تتميمًا للنعمة التي أشار إليها إجمالًا بقوله:{فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا} ووسط بينهما بإيضاح ما نزل بهم من الطامة التي تحير العقول والأفهام، والداهية التي زلت فيها الأقدام، وما صدر من الفريقين المؤمنين وأهل الكفر والنفاق من الأحوال والأقوال؛ لإظهار عظمة النعمة، وإبانة جليل خطرها، ومجيئها حين اشتداد الحاجة إليها، فقال:{وَرَدَّ اللَّهُ} سبحانه وصرف {الَّذِينَ كَفَرُوا}، وهم الأحزاب، معطوف على قوله:{فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا} أو على محذوف؛ أي: وقع ما وقع من الحوادث، ورد الله الذين كفروا من الذين تحزبوا وتجمعوا لمحاربة النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى بلدانهم، حالي كونهم ملتبسين {بِغَيْظِهِمْ} وغضبهم وحسرتهم، لم يشف صدورهم {لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا} حال بعد حال؛ أي: حال كونهم لم يصيبوا ما أرادوا من الغلبة، وسماها خيرًا؛ لأن ذلك كان خيرًا عندهم، فجاء على استعمالهم وزعمهم.
والمعنى: أن الله سبحانه ردهم بغيظهم، لم يشف صدورهم، ولا نالوا خيرًا في اعتقادهم، وهو الظفر بالمسلمين، أو لم ينالوا خيرًا، أي خير، بل رجعوا خاسرين، لم يربحوا إلا عناء السفر وغرم النفقة. {وَكَفَى اللَّهُ} سبحانه {الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ}؛ أي: أغناهم عن قتال الأحزاب بما أرسله عليهم من الريح الشديدة والجنود من الملائكة.
وحاصل المعنى (١): أي فأرسلنا ريحًا وجنودًا لم تروها، ورددنا الذين كفروا بالله ورسوله من قريش وغطفان بغمهم، بفوت ما أملوا من الظفر، وخيبتهم، فيما كانوا طمعوا فيه من الغلبة، والنصر على محمد وصحبه، إذ لم