للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وهي من بلاد فارس، تنسب إلى صخر الجنّيّ، المراد بقوله تعالى: {قالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ}. {وَغَوَّاصٍ} معطوف على {بَنَّاءٍ}. مبالغة غائص. اسم فاعل من غاص الماء يغوص غوصًا؛ أي: يغوصون في الماء، ويستخرجون له من البحر الدرر، والجواهر، والحلي، وهو أول من استخرج اللؤلؤ من البحر.

والمعنى: أي وذللنا لأمره البنائين من الشياطين والغواصين في البحار، منهم يسخرهم فيما يريد من الأعمال، فإذا أراد بناء العمائر والقصور، أو الحصون والقناطر، أنجزوها له في الزمن القصير، وإذا أحب استخراج اللؤلؤ والمرجان من البحار، لجعلهما حلية لمن في قصورة لبوا طلبه سراعًا.

٣ - ٣٨ {وَآخَرِينَ} معطوف على {كُلَّ بَنَّاءٍ}، داخل في حكم البدل؛ أي: وسخرنا له شياطين آخرين، مخالفين أمره ليصفدهم في الأصفاد، وقوله: {مُقَرَّنِينَ} بصيغة اسم المفعول، من التفعيل، صفة لـ {آخَرِينَ} من قرّنت الشيء بالشيء؛ أي: وصلته به، وشدد العين للمبالغة والكثرة، {فِي الْأَصْفادِ} متعلق بمقرنين، جمع صفد محركة، وهو القيد من الحديد، ويسمى الأغلال، والسلاسل.

ومعنى الآية: وسخرنا له شياطين آخرين لا يبنون، ولا يغوصون، فقرنهم، وأوثقهم في الأصفاد، والسلاسل، والأغلال من الحديد، لكفهم عن الشر والفساد.

وخلاصة ما سلف (١): أن سليمان قد استعمل الشياطين في الأعمال الشاقة كالبناء والغوص في الماء، ومن لم يطع أمره، وضعه في السلاسل والأغلال، كفا لشره، وعقابا له، وعبرة لغيره، فإن قيل: إن (٢) هذه الآية، تدل على أن الشياطين لها قوة عظيمة، قدروا بها على تلك الأبنية العظيمة، التي لا يقدر عليها البشر، وقدروا على الغوص في البحار، واستخراج جواهرها، وأنى يمكن


(١) المراغي.
(٢) روح البيان.