للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قد أخلفنا، كما سيأتي بسطه في الأعراف.

وقرأ عليّ (١)، وعيسى بن عمر، بكسر باء {أربعين} شاذا؛ اتباعا لكسرة العين؛ أي: جعلنا انقضاء أربعين وتمامها، ميعادا لتكليمه، وإعطاء الكتاب له، لتعملوا به لمّا عادوا إلى مصر بعد هلاك فرعون وقومه، والمعنى: واذكروا إذ واعدنا موسى إعطاء الكتاب المسمى بالتوراة، بعد ما تم له أربعون ليلة في الرياضة؛ لأنّ بعد تمام الخدمة من العبد، تكون العطايا من الرب سبحانه وتعالى: {ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ} وجعلتم {الْعِجْلَ} الذي صاغه السامريّ من الحلي الذي استعاروه من القبط، بسبب العرس المسمّى بالبهموت إلها ومعبودا لكم {مِنْ بَعْدِهِ}؛ أي: من بعد ذهاب موسى إلى محل المناجاة {وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ}؛ أي: والحال أنكم ظالمون أنفسكم، وضارّون لها بعبادة العجل، أو واضعون العبادة في غير موضعها؛ أي: بوضع عبادة الله تعالى في غير موضعها بعبادة العجل، والجملة حال من ضمير اتخذتم، وهذا تنبيه على أن كفرهم بمحمد صلّى الله عليه وسلّم ليس بأعجب من كفرهم وعبادتهم العجل زمن موسى.

وأتى بثم في قوله (٢): {ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ} وهو ولد البقرة الذكر؛ لأنه تعالى، لمّا وعد موسى حضور الميقات لإنزال التوراة عليه، وفضيلة بني إسرائيل، ليكون ذلك تنبيها للحاضرين على علوّ درجتهم، وتعريفا للغائبين، وتكملة للدين، كان ذلك من أعظم النعم، فلما أتوا عقب ذلك بأقبح أنواع الكفر والجهل، كان ذلك في محل التعجب، فهو كمن يقول: إنّني أحسنت إليك، وفعلت كذا وكذا، ثم إنك تقصدني بالسوء والأذى

٥٢ - {ثُمَّ عَفَوْنا عَنْكُمْ}؛ أي: محونا عنكم جريمتكم التي هي عبادة العجل حين تبتم {مِنْ بَعْدِ ذلِكَ}؛ أي: من بعد الاتخاذ الذي هو متناه في القبح، فلم نعاجلكم بالإهلاك، بل أمهلناكم إلى مجيء موسى، فنبهكم وأخبركم بكفارة ذنوبكم {لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}؛ أي: لكي


(١) البحر المحيط.
(٢) روح البيان.