للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

من شهد بالحق، وهم المسيح، وعزير، والملائكة، فإنهم يملكون الشفاعة لمن يستحقها. وعلى الانقطاع: لكن من شهد بالحق يشفع في هؤلاء، ويجوز أن يكون المستثنى منه محذوفًا؛ أي: لا يملكون الشفاعة في أحد إلا فيمن شهد بالحق، قال سعيد بن جبير وغيره: معنى الآية: أنه لا يملك هؤلاء الشفاعة إلا لمن شهد بالحق وآمن على علم وبصيرة. وقال قتادة: لا يشفعون لعابديهم بل يشفعون لمن شهد بالوحدانية، وقرأ الجمهور: {يَدْعُونَ} بالتحتية، وقرأ السلمي وابن وثاب بالفوقية.

والمعنى (١): ولا تقدر الأصنام والأوثان التي يعبدونها على الشفاعة لهم، كما زعموا أنهم شفعاء عند ربهم، ولكن من نطق بكلمة التوحيد، وكان على بصيرة وعلم من ربه، كالملائكة، وعيسى تنفع شفاعتهم عنده بإذنه لمن يستحقها.

٨٧ - ثم بين أن هؤلاء المشركين، متناقضوا الأقوال والأفعال، فقال: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ}؛ أي: وعزتي وجلالي، لئن سألت يا محمد العابدين والمعبودين {مَنْ خَلَقَهُمْ}؛ أي: من أوجدهم، وأخرجهم من العدم إلى الوجود {لَيَقُولُنَّ اللَّهُ}؛ أي: ليقرون جميعًا، ويعترفون بأن خالقهم الله، ولا يقدرون على الإنكار والجحود لتعذر الإنكار، لغاية ظهوره {فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ}؛ أي: فمع إقرارهم بأن خالقهم هو الله سبحانه، كيف يصرفون عن عبادته تعالى إلى عبادة غيره؟ فهو (٢) استفهام تعجيب من جحودهم التوحيد، مع ارتكازه في فطرتهم، فإن المعترف بأن الله خالقه، إذا عمد إلى صنم أو حيوان، وعبده مع الله، أو عبده وحده فقد عبد بعض مخلوقات الله، وفي هذا من الجهل ما لا يقادر قدره، وقيل: المعنى ولئن سألت هؤلاء المشركين، العابدين للأصنام، ليقولن: الله. وقيل: ولئن سألت المسيح، وعزيرًا، والملائكة من خلقهم؟ ليقولن: الله، فأنى يؤفك هؤلاء الكفار عن عبادة الله تعالى، باتخاذهم آلهة.

قال في "الأسئلة المقحمة": فإن قلت: هذا دليل على أن معرفة الله


(١) المراغي.
(٢) روح البيان.