للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

٣٢ - {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا} من أهل مكة كأبي جهل وأصحابه: {لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ}؛ أي على محمد {الْقُرْآنُ} فـ {لَوْلَا} تحضيضية بمعنى: هلا. والتنزيل هنا: مجرد عن معنى التدريج، فـ {نُزِّلَ} هنا بمعنى: أنزل كـ: خبَّر بمعنى: أخبر؛ لئلا يناقض قوله: {جُمْلَةً وَاحِدَةً}؛ أي: دفعة واحدة كالكتب الثلاثة التوراة والإنجيل والزبور. حال من {الْقُرْآنُ}؛ إذ هي في معنى: مجتمعًا، وهذا اعتراض حيرة وبهت، لا طائل تحته؛ لأن الإعجاز لا يختلف بنزوله جملة أو مفرقًا، وقد تحدوا بسورة واحدة فعجزوا عن ذلك، حتى أخلدوا إلى بذل المهج والأموال دون الإتيان بها، مع أن للتفريق فوائد كثيرة سيأتي تفصيلها.

أي: وقال الذين كفروا من أهل مكة في تعنتاتهم: هلا أنزل هذا القرآن على محمد - صلى الله عليه وسلم - حالة كونه جملة واحدة في مرة واحدة كسائر الكتب السالفة إن كان من عند الله تعالى، وما له أنزل على التفاريق؟. وهذا (١) اعتراض فاسد، لأنهم تحدوا بالإتيان بسورة واحدة من أصغر السور، فأبرزوا صفحة عجزهم، حتى لاذوا بالمناصبة، وفزعوا إلى المحاربة، وبذلوا المهج ومالوا إلى الحجج. وقيل: المراد بالذين كفروا هنا اليهود، والمعنى عليه: أي (٢): وقال اليهود: هلا أنزل القرآن على محمد دفعة واحدة كما أنزلت الكتب السالفة على الأنبياء كذلك. وهذا زعم باطل ودعوى داحضة، فإن هذه الكتب نزلت متفرقة، فقد أنزلت التوراة منجمة في ثماني عشرة سنة، كما تدل عليه نصوص التوراة، وليس هناك دليل قاطع على خلاف ذلك من كتاب أو سنة كما نزل القرآن، لكنهم معاندون أو جاهلون لا يدرون كيف نزلت كتب الله على أنبيائه، وهو اعتراض بما لا طائل تحته؛ لأن الإعجاز لا يختلف بنزوله جملة أو مفرقًا فرد الله عليهم ما قالوا، وأشار إلى السبب الذي لأجله نزل القرآن منجمًا، فقال: {كَذَلِكَ} والكاف في محل نصب على أنها صفة لمصدر محذوف (٣) مؤكد معلل بما بعده، و {ذلك}: إشارة إلى ما يفهم من كلامهم؛ أي: مثل ذلك التنزيل المفرق الذي


(١) النسفي.
(٢) المراغي.
(٣) روح البيان.