قدحوا فيه نزلناه، لا تنزيلًا مغايرًا له {لِنُثَبِّتَ} ونقوي. وقرأ عبد الله {ليثبت} بالياء؛ أي: ليثبت الله {بِهِ}؛ أي: بذلك التنزيل المفرق {فُؤَادَكَ}؛ أي: قلبك، فإن فيه تيسيرًا لحفظ النظم وفهم المعنى، وضبط الأحكام والعمل بها، ألا ترى أن التوراة أنزلت دفعة، فشق العمل على بني إسرائيل، ولأن الكتب المتقدمة نزلت على أنبياء يكتبون ويقرؤون، وأنزلنا القرآن على نبي أمي لا يكتب ولا يقرأ، ولأن من القرآن الناسخ والمنسوخ، ومنه ما هو جواب لمن سأل عن أمور تحدث في أوقات مختلفة، ففرقناه ليكون أدعى لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأيسر على العامل به، ولأنه كلما نزل عليه وحي جديد في كل أمر وحادثة ازداد هو قوة قلب وبصيرة.
وبالجملة: فإن إنزال القرآن منجمًا فضيلة خص بها نبينا - صلى الله عليه وسلم - من سائر النبيين، فإن المقصود من إنزاله أن يتخلق قلبه المنير بخلق القرآن ويتقوى بنوره، ويتغذى بحقائقه وعلومه، وهذه الفوائد إنما تكمل بإنزاله مفرقًا، ألا ترى أن الماء لو نزل من السماء جملة واحدة لما كانت تربية الزروع به مثلها إذا نزل مفرقًا إلى أن يستوي الزرع.
وقيل: إن هذه الكلمة أعني: {كَذَلِكَ} هي من تمام كلام المشركين؛ أي: وقال الذين كفروا: لولا أنزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك؛ أي: كالتوراة والإنجيل والزبور، فيوقف على قوله:{كَذَلِكَ}، ثم يبتدىء بقوله:{لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ} على معنى أنزلناه عليك متفرقًا لغرض تثبيت فؤادك. قال ابن الأنباري: وهذا أجود وأحسن. قال النحاس: وكان ذلك؛ أي: إنزال القرآن منجمًا من أعلام النبوة؛ لأنهم لا يسألونه عن شيء إلا أجيبوا عنه، وهذا لا يكون إلا من نبي، فكان ذلك تثبيتًا لفؤاده وأفئدتهم.
وقوله:{وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا} معطوف على ذلك الفعل المقدر. والترتيل (١): التفريق ومجيء الكلمة بعد الأخرى بسكوت يسير دون قطع النفس، وأصله في