البصر بالضياء، ولأن الذي ينظر في السواد إلى البياض يكون أحد نظرًا، ولذلك جُعلت الحدقة سوداء، وأهداب العين شعرًا أسود؛ لأن السواد يقوي البصر.
ولما بني ذو القرنين الإسكندرية .. رخمها بالرخام الأبيض جدرها وأرضها، فكان لباسهم فيها السواد من نصوع بياض الرخام، فمن ذلك اليوم لبس الرهبان السواد، فإن النظر إلى الأبيض يفرق البصر ويضعفة، ولذا قال - صلى الله عليه وسلم - في الإثمد:"إنه يقوي البصر"، وجعل سبحانه الحدقة محركة في مكانها لتتحرك إلى الجهات يمنة ويسرة، فيبصر بها من غير أن يلوي عنقه، وجعل الناظرين جميعًا على خط مستقيم عرضًا، ولم يقع واحد منهما أعلى ولا أخفض؛ ليجتمع الناظران على شيء واحد؛ لئلا يتراءى له الشخص الواحد شخصين، وجعل العين ثنتين؛ لأن نظر عينين أتم من نظر عين واحدة، وإشارة إلى العين الظاهرة والعين الباطنة، فينبغي أن يحافظ على كلتيهما.
٩ - {و} ألم نجعل {لِسَانًا} يترجم (١) به عن ضمائره وينطق به، وبه تنعقد المعاملات، وتحصل الشهادات، ويدرك الطعوم من الحلو والمر، ولو لم يكن اللسان لاحتاج الإنسان إلى الإشارة أو الكتابة فتعسر أمره، وإنما تعدد العين والأذن، وتفرد اللسان؛ لأن حاجة الإنسان إلى السمع والبصر أكثر من حاجته إلى الكلام، وفيه تنبيه أيضًا على أن يقل من الكلام إلا في الخير، وأن لا يتكلم فيما لا فائدة فيه، وهو السر في أن الله تعالى جعل اللسان داخل الفم، وجعل دونه الشفتين اللتين لا يمكن الكلام إلا بفتحهما؛ ليستعين العبد بطباق شفتيه على رد الكلام. {و} ألم نجعل له {شَفَتَيْنِ} يستر بهما فاه وثغره إذا أراد السكوت، ويستعين بهما على النطق والأكل والشرب والنفخ، قال السجاوندي: خص الشفة، لخروج أكثر الحروف منها، وفي الدعاء: الحمد لله الذي جعلنا ننطق بلحم ونبصر بشحم ونسمع بعظم. قال بعضهم: أسبل الصانع الحكم أمام الفم سترًا من الشفة ذا طرفين يضمهما عند الحاجة، ويمتص بهما المشروب، وجعل الشارب محيطًا من العليا؛ ليمنع ما على وجه الشراب من القش والقذى أن يدخل حالة الشرب. انتهى.
وفي الحديث: "إن الله تعالى يقول: يا ابن آدم إن نازعك لسانك فيما حرمت عليك فقد أعنتك بطبقتين فأطبق، وإن نازعك بصرك إلى بعض ما حرمت عليك فقد