للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قال إبليس بعدما لعن وطرد وأبعد إظهارا للعداوة، وإقدامًا على الحسد: وعزتك وجلالك {لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ}؛ أي: لئن أنظرتني حيًّا إلى يوم القيامة {لَأَحْتَنِكَنَّ}؛ أي: لأستأصلنّ ولأغوينّ {ذُرِّيَّتَهُ} وأولاده، ولأستولين عليهم استيلاء قويًا بالإغواء والإضلال، أو لأقودنهم إلى المعاصي كما تقاد الدابة بحبلها {إِلَّا قَلِيلًا} منهم لا أقدر أن أقاوم شكيمتهم، وهذا القليل هم الذين عناهم الله تعالى بقوله: {إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ} وإنما (١) أقسم اللعين هذا القسم على أنه سيفعل بذرية آدم ما ذكره، لما ظنه من قوة نفوذ كيده في بني آدم، وأنه يجري منهم في مجاري الدم، وأنهم بحيث يروج عندهم كيده، وتنفق لديهم وسوسته، إلا من عصم الله تعالى، ويؤيّد هذا قوله تعالى: {وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ} فإنه يفيد، أنه قال ما قاله هنا اعتمادًا على الظن، وقيل: إنه استنبط ذلك من قول الملائكة: {أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها} وقيل: علم ذلك من طبع البشر؛ لما ركّب فيهم من الشهوات، أو ظنّ ذلك لأنه وسوس لآدم، فقبل منه ذلك ولم يجد له عزما، كما روي عن الحسن.

وقرأ ابن كثير (٢)، ونافع وأبو عمرو {وأخرتني} بياءٍ في الوصل، ووقَفَ ابن كثير بالياء، وقرأ ابن عامرٍ، وعاصم، وحمزة، والكسائي بغير ياء في وصل ولا في وقفٍ، هذا كله في حرف هذه السورة، أَمَّا الذي في المنافقون في قوله: {لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ} فالياء ثابتة للكل لثبوتها في الرسم الكريم، اهـ «سمين».

٦٣ - ثمّ ذكر سبحانه أنه أجابه إلى النّظرة، وأخره إلى يوم الوقت المعلوم بقوله: {قالَ} الله سبحانه وتعالى لإبليس اللعين: {اذْهَبْ} على طريقتك السوء بالإغواء والإضلال، أو امض لشأنك الذي اخترته، ولما سولته لك نفسك، وقد أخرتك، وهذا كما تقول لمن يخالفك: افعل ما تريد.


(١) الشوكاني.
(٢) زاد المسير.