للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الفطرة، وخطأ العقيدة، والتدنس بالرذيلة التي يلازمها فعل السيئات.

٣ - أن الناس متفاوتون فيما بين ذلك من درجات ودركات، أخسها الشرك، وأعلاها التوحيد، ولكل منهم صفات تناسبها، فلو جاز أن يغفر الشرك، ويجعل صاحبه مع النبيين والصديقين والملائكة المقربين .. لكان ذلك نقضًا لسنة الله التي لا تبديل فيها ولا تغيير.

واعلم: أنه قد تقدم نص هذه الآية بعينها في غرض آخر من هذه السورة، وأعادها هنا مرة أخرى للتأكيد، ولتكون راسخة في نفوس السامعين، لأنه إنما ترجى الهداية والموعظة بإبراز المعاني التي يراد إيداعها في نفوس السامعين في كل سياق يقصد فيه توجيها إليها، وإعدادها لقبولها، ولن يتم ذلك إلا بتكرار المقاصد الأساسية، فالذين عرفوا سنن الاجتماع، وفهموا طبائع البشر وأخلاقهم، يكررون في خطبهم ومقالاتهم أغراضهم ومقاصدهم التي ينشرونها في الصحف والكتب، فإن الذهن إذا تكرر عليه مدح الشيء أو ذمه .. أثر فيه، إلا أن (١) آخر ما تقدم: {فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا}، وآخر هذه: {فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا}، ختمت كل آية بما يناسبها، فتلك كانت في أهل الكتاب، وهم مطلعون من كتبهم على ما لا يشكون في صحته من أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ووجوب اتباع شريعته، ونسخها لجميع الشرائع، ومع ذلك فقد أشركوا باللهِ، مع أن عندهم ما يدل على توحيد الله، والإيمان بما نزل، فصار ذلك افتراءً واختلاقًا مبالغًا في العظم والجرأة على الله، وهذه الآية في ناس مشركين، ليسوا بأهل كتب ولا علوم، ومع ذلك فقد جاءهم الهدى من الله، وبان لهم طريق الرشد، فأشركوا بالله، فضلوا بذلك ضلالًا يستبعد وقوعه، أو يبعد عنه الصواب، ولذلك جاء بعده:

١١٧ - {إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا} وجاء بعد تلك: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ}، وقوله: {انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ} ولم يختلف أحد من المتأولين في أن المراد بهم اليهود، وإن كان اللفظ عامًّا، ولما كان الشرك أعظم


(١) النهر.