للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الكبائر .. كان الضلال الناشىء عنه بعيدًا عن الصواب، لأن غيره من المعاصي وإن كان ضلالًا لكنه قريب من أن يراجع صاحبه الحق؛ لأن له رأس مال يرجع إليه وهو التوحيد، بخلاف المشرك، ولذلك قال تعالى: {يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ (١٢)} وناسب هنا أيضًا ذكر الضلال لتقدم الهدى قبله، ذكره أبو حيان في "النهر".

ثم بين الله تعالى كون الشرك ضلالًا بعيدًا فقال: {إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا}؛ أي: ما يعبد هؤلاء المشركون (١) من أهل مكة وغيرهم إلا أوثانًا يسمونها باسم الإناث، كقولهم: اللات والعزى ومناة، واللات تأنيث الله، والعزى تأنيث العزيز، ومناة تأنيث المنان، أو لأنهم يزينونها على هيئات النسوان. أو المعنى (٢): هؤلاء المشركون لا يدعون لقضاء حاجتهم وتفريج كربهم إلا أمواتًا، فقد كانوا يعظمون الموتى ويدعونها، كما يفعل ذلك كثير من أهل الكتاب أو إلا إناثًا كاللات والعزى، وقد كان لكل قبيلة صنم يسمونه أنثى بني فلان.

وقرأ أبو رجاء (٣): {إن تدعون} بالتاء على الخطاب، ورويت عن عاصم. وفي مصحف عائشة - رضي الله عنها -: {إلا أوثانًا} جمع وثن وهو الصنم، وقرأ بذلك أبو السوار والهنائي، وقرأ الحسن: {إلا أنثى} على التوحيد، وقرأ ابن عباس وأبو حيوة والحسن وعطاء وأبو العالية وأبو نهيك ومعاذ القاريء: {أُنثًا} جمع أنيث كغرير وغرر، والأنيث: المخنث الضعيف من الرجال، وقرأ سعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عمر وأبو المتوكل وأبو الجوزاء: {إلا وثنًا} بفتح الواو والثاء من غير همزة، وقرأ ابن المسيب ومسلم بن جندب، ورويت عن ابن عباس وابن عمر وعطاء: {إلا أنثًا} يريدون وَثَنًا، وقرأ أبو أيوب السجستاني: {إلا وثنًا} بضم الواو والثاء من غير همزة كشُقُق، وقرأت فرقة:


(١) المراح.
(٢) المراغي.
(٣) البحر المحيط.