للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الوعد والوعيد،

٧٠ - وكما فتح الآية بإثبات العدل .. ختمها بنفي الظلم، فقال {وَوُفِّيَتْ}؛ أي: وفرت وأعطيت {كُلُّ نَفْسٍ} من النفوس المكلفة {مَا عَمِلَتْ}؛ أي: جزاء ما عملت من الخير والشر، والطاعة والمعصية. {وَهُوَ} تعالى {أَعْلَمُ} منهم ومن الشهداء {بِمَا يَفْعَلُونَ} في الدنيا، لا يحتاج إلى كاتب ولا حاسب وشاهد، إذ هو خالق الأفعال، فلا يفوته شيء من أفعالهم، وإنما {وضع الكتاب وجيءَ بالنبيين والشهداء}؛ لتكميل الحجة، وقطع المعذرة، قال ابن عباس - رضي الله عنهما -: إذا كان يوم القيامة .. بدّل الله الأرض غير الأرض، وزاد في عرضها وطولها كذا وكذا، فإذا استقر عليها أقدام الخلائق، برهم وفاجرهم أسمعهم الله تعالى كلامه، يقول: "إن كتابي كانوا يكتبون ما أظهرتم، ولم يكن لهم علم بما أسررتم، فأنا عالم بما أظهرتم وبما أسررتم، ومحاسبكم اليوم على ما أظهرتم وعلى ما أسررتم، ثم أغفر لمن أشاء منكم".

٧١ - ثم ذكر سبحانه تفصيل ما ذكره من توفية كل نفس ما كسبت فقال: {وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا} مع إمامهم ومعبوداتهم {إِلَى جَهَنَّمَ} حال كونهم {زُمَرًا}؛ أي: جماعة جماعةً متفرقةً بعضها إثر بعض؛ أي: سيقوا إليها بعد إقامة الحساب بأمر يسير من قبلنا، وذلك بالعنف والإهانة، حال كونهم أفواجًا متفرقة بعضها في إثر بعض، مترتبةً حسب ترتب طبقاتهم في الضلالة والشرارة، وتتلقاهم جهنم بالعبوسة، كما تلقوا الأوامر والنواهي والآمرين والناهين بمثل ذلك، {حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا}؛ أي: جاؤوا جهنم وقربوا إليها، و {حَتَّى} هذه (١) هي الابتدائية، التي تبتدِىء الجمل بعدها كما في "أبي السعود"، وجواب {إِذَا} قوله: {فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا}؛ أي: فتحت أبواب جهنم السبعة؛ ليدخلوها، كما قال تعالى: {لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ} وفائدة (٢) إغلاقها إلى وقت مجيئهم: تهويل شأنها، وإيقاد حرّها، قال في "أسئلة الحكم": أهل النار يجدونها مغلقة الأبواب، كما هي حال السجون في الدنيا، فيقفون هنالك، حتى يفتح لهم إهانةً وتوبيخًا.

يقول الفقير: هذا من قبيل العذاب الروحاني، وهو أشد من العذاب الجسماني، فليس وقوفهم عند الأبواب أولى لهم من تعجيل العذاب، يؤيده أن


(١) الارشاد.
(٢) روح البيان.