يقال: قرأ القرآن، فهو قارىء، وأقرأه غيره، فهو مقرىء؛ أي: علمه إياه، فهو معلم.
والمعنى: سنقرئك ما نوحي إليك الآن وفيما بعد على لسان جبريل، فلا تنسى أصلًا من قوة الحفظ والإتقان. وفي "كشف الأسرار": سنجمع حفظ القرآن في قلبك، وقراءته في لسانك، حتى لا تنسى، كقوله: {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (١٧)}.
قال مجاهد والكلبي: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا نزل عليه جبريل بالوحي .. لم يفرغ جبريل من آخر الآية حتى يتكلم النبي - صلى الله عليه وسلم - بأولها مخافة أن ينساها، فنزلت: {سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى (٦)}.
٧ - وقوله:{إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ} استثناء مفرغ من أعم المفاعيل؛ أي: لا تنسى مما تقرأه شيئًا من الأشياء إلا ما شاء الله أن تنساه أبدًا، بأن نسخت تلاوته، فإن النسخ نوع من الإنساء، وطريق من طرقه، فكأنه بالنسخ محي من الصحف والصدور، فالمراد بالنسيان: هو النسيان الكلي الدائم، بحيث لا يعقبه التذكر بعده، ويجوز أن يراد به النسيان المتعارف الذي يعقبه التذكر بعده، وهو النسيان في الجملة على القلة والندرة؛ أي: فلا تنسى إلا ما شاء الله نسيانه، ثم لا يبقى المنسي منسيًا دائمًا، بل يعقبه التذكر كما هو المفهوم من المقام، ويؤيد هذا المعنى: ما روي أنه - صلى الله عليه وسلم - أسقط آيةً في قراءته في الصلاة فحسب أبي رضي الله عنه أنها نسخت، فسأله فقال - صلى الله عليه وسلم -: "نسيتها".
وروي: أن بعض الصحابة رضوان الله تعالى عليهم كان يقرأ القرآن في الليل، فقال: - صلى الله عليه وسلم -: "لقد أذكرني آية أنسيتها"، ومن هذا كان - صلى الله عليه وسلم - يقول في دعائه:"اللهم ارحمني بالقرآن العظيم، واجعله لي إمامًا ونورًا وهدى ورحمة، اللهم ذكرني منه ما نسيت، وعلمني منه ما جهلت، وارزقني تلاوته آناء الليل وأطراف النهار، واجعله حجة لي يا رب العالمين". وكان - صلى الله عليه وسلم - يقول:"إنما أنا بشر أُنسى كما تنسون، فإذا نسيت فذكروني"، وقال تعالى:{وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ}، ودل الكل على جواز جريان النسيان عليه، وإن لم يكن سهوه ونسيانه من قبيل سهو الأمة ونسيانهم، فإنه أهل الحضور الدائم.