للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقرأ النخعي (١): {وَلِيَلْبِسُوا} - بفتح الياء - قال أبو الفتح استعارة من اللباس عبارة عن شدة المخالطة، واللام متعلقة بـ {زَيَّنَ}، فهي على حقيقة التعليل إن كان التزيين من الشياطين، وعلى معنى الصيرورة إن كان من السدنة. {وَلَوْ شاءَ اللَّهُ} سبحانه وتعالى عدم قتلهم أولادهم {ما فَعَلُوهُ}؛ أي: ما فعل كثير من المشركين قتل الأولاد بدفن البنات في حياتها، وبنحر الأولاد الذكور للأصنام {فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ}؛ أي: إذا عرفت يا محمد ما ذكرته لك، وأردت بيان ما هو الأصلح لك .. فأقول لك: اتركهم وافتراءهم وكذبهم في قولهم: إن الله يأمرهم بقتل أولادهم، أو فذرهم وما يختلقون من الإفك على الله والأحكام التي يشرعونها، وهو أمر تهديد ووعيد؛ أي (٢): ولو شاء الله سبحانه وتعالى أن يخلق الناس مطبوعين على عبادته طبعا لا يستطيعون غيرها كالملائكة، فلا يؤثر فيه إغواء، ولا تجدي فيهم وسوسة لفعل، ولكن شاء أن يخلقهم مستعدين للتأثر بكل ما يرد على أنفسهم من الأفكار والآراء، وما يشاهدون من المحسوسات، واختيار ما يترجح عندهم أنه الخير على ما يقابله، ومن ثم يؤثر في نفوسهم ما يستفيدونه بالتعليم والاختيار والمعاشرة والمخالطة، والناس يتفاوتون في هذا جدّ التفاوت، فلا يمكن أن يكونوا على رأي واحد، أو دين واحد، فدعهم أيها الرسول وما ينتحلونه من شرائع وما يفترون من عقائد، وعليك بما أمرت به من التبليغ والله هو الذي يتولى أمرهم، وله سنن في هداية خلقه لا تتبدل، ومن سننه أن يغلب الحق الباطل، ثم ذكر نوعا ثالثا من آرائهم الفاسدة فقال:

١٣٨ - {وَقالُوا}؛ أي: وقال المشركون الذين قسموا نصيب آلهتهم أقساما ثلاثة: {هذِهِ}؛ أي: القرابين التي جعلناها للآلهة {أَنْعامٌ وَحَرْثٌ}؛ أي: زروع {حِجْرٌ}؛ أي: محرمة {لا يَطْعَمُها إِلَّا مَنْ نَشاءُ}؛ أي: لا يأكل هذه الأنعام والحرث إلا خدمة الأوثان والرجال دون النساء {بِزَعْمِهِمْ}؛ أي: قالوا ما ذكر متلبسين بكذبهم، ومن غير حجة {وَ} هذه {أَنْعامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُها}؛ أي:


(١) البحر المحيط.
(٢) المراغي.