للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ذَلِكَ ظَهِيرٌ}؛ أي: (١) فالله أقرب إلى الإنسان من عرقه المخالط لة في وقت أخذ الملكين الحافظين من قوله وفعله، فلهما عن اليمين مقاعد، وعن الشمال مقاعد، وفي هذا إشارة إلى أنّ المكلّف غير متروك سدى، قال الحسن وقتادة، ومجاهد: المتلقيّان ملكان يتلقَّيان عملك، أحدهما عن يمينك يكتب حسناتك، والآخر عن شمالك يكتب سيئاتك، وقال مجاهد أيضًا: وكّل الله بالإنسان ملكين بالليل، وملكين بالنهار يحفظان عمله، ويكتبان أثره.

١٨ - {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ}؛ أي: ما يتكلم الإنسان من كلام، فيلفظه ويرميه من فيه {إِلَّا لَدَيْهِ}؛ أي: إلا لدى ذلك اللافظ {رَقِيبٌ}؛ أي: ملك حافظ يرقب قوله ذلك ويكتبه، والقول أعم من الكلمة والكلام، والرقيب: الحافظ المتتبع لأمور الإنسان، الذي يكتب ما يقوله ويفعله من خير أو شر، فكاتب الخير هو ملك اليمين، وكاتب الشر هو ملك الشمال. {عَتِيدٌ}؛ أي: حاضر ذلك الملك الرقيب لا يفارقه، معد مهيأٌ لكتابة ما أمر به من خير أو شر، فهو حاضر معه أينما كان، فالرقيب بمعنى الحافظ، والعتيد بمعنى الحاضر، والإفراد (٢) حيث لم يقل: رقيبان عتيدان مع وقوفهما معًا على ما صدر عنه، لما أنَّ كلًّا منهما رقيب لما فوض إليه، لا لما فوض إلى صاحبه، كما ينبىء عنه قوله تعالى: {عَتِيدٌ}. وتخصيص القول بالذكر، لإثبات الحكم في الفعل بدلالة النص، واختلف فيما يكتبانه، فقيل: يكتبان كل شيء، حتى أنينه في مرضه، وقيل: إنَّما يكتبان ما فيه أجر ووزر، وهو الأظهر، قيل (٣) إنّ الملائكة يجتنبون الإنسان عند غائطه، وعند جِماعه؛ ولذا كره الكلام في الخلاء، وعند قضاء الحاجة أشد كراهة؛ لأنّ الملائكة تتأذى بالحضور في ذلك الموضع الكريه لأجل كتابة الكلام، فإن سلم عليه في هذه الحالة .. قال الإِمام أبو حنيفة رحمه الله: يردّ السلام بقلبه لا بلسانه، لئلا يلزم كتابة الملائكة، فإنهم لا يكتبون الأمور القلبية، وكذا يحمد الله بقلبه عند العطاس في بيت الخلاء، وكذا يكره الكلام عند الجماع، وكذا


(١) المراح.
(٢) روح البيان.
(٣) روح البيان.