للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الذيل يريدون أنه لا يلامس أجنبية. ويرى جمع من الأئمة أن المراد بطهارة الثياب غسلا بالماء، إن كانت نجسة، وروي عن كثير من الصحابة والتابعين، وإليه ذهب الشافعيّ، فأوجب غسل النجاسة من ثياب المصلّي.

وقد استبان للمشتغلين (١) بأصول التشريع، وعلماء الاجتماع من الأوربّيّين أن أكثر الناس قذرًا في أمهم وثيابهم أكثرهم ذنوبًا وأطهرهم أبدانًا وثيابًا أبعدهم من الذنوب. ومن ثم أمروا المسجونين بكثرة الاستحمام، ونظافة الثياب فحسنت أخلاقهم، وخرجوا من السجون، وهم أقرب إلى الأخلاق الفاضلة منهم إلى الرذائل. وقال الأستاذ: "بِتْنَامُ" في كتابه "أصول الشرائع": إنَّ كثرة الطهارة في دين الإِسلام من ما تدعو معتنقية إلى رقيّ الأخلاق والفضيلة إذا قاموا باتّباع أوامره خير قيلهم، ومن هذا تعلم السرّ في قوله: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (٤)}.

٥ - {وَالرُّجْزَ}؛ أي: الأوثان {فَاهْجُرْ}؛ أي: اترك؛ أي: وارفض عبادة الأوثان واتركها، ولا تقربها، كما قال إبراهيم عليه السلام: {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ}. وقيل: الرجز: العذاب، أي: واهجر العذاب بالثبات على هجر ما يؤدّي إليه من المآثم، سمي ما يؤدّي إلى العذاب رجزًا على تسمية المسبّب باسم سببه، والمراد الدوام على الهجر؛ لأنه كان بريئًا من عبادة الأوثان ونحوها.

وقرأ الجمهور (٢) {والرجز} بكسر الراء، وهي لغة قريش. وقرأ الحسن، ومجاهد، والسلميّ، أبو جعفر، وأبو شيبة، وابن محيصن، وابن وثّاب، وقتادة، والنخعيّ، وابن أبي إسحاق، والأعرج، وحفص بضمّها. فقيل: هما بمعنى واحد يراد بهما الأصنام والأثان. وقيل: الكسر للبين والنقائص والفجور، والضمّ لصنمين إساف ونائلة. وقال عكرمة ومجاهد والزهري: للأصنام عمومًا، وقال ابن عباس: الرجز: السخط؛ أي: اهجر ما يؤدي إليه. وقال الحسن: كلّ معصية، والمعنى في الأمر: أثبت ودم على هجره؛ لأنّه - صلى الله عليه وسلم - كان بريئًا منه، كما مرّ آنفًا.

والمعنى: {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (٥)} أي: اهجر المعاصي والآثام الموصلة إلى العذاب في الدنيا والآخرة، فإن النفس متى طهرت منها كانت مستعدة للإفاضة على


(١) المراغي.
(٢) البحر المحيط.