للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

إلى ضمير الغيبة للتنوع في الفصاحة. وقرأ الجمهور: {فنوفيهم}؛ أي: نعطيهم أجورهم كاملة موفرة - بالنون الدالة على المتكلم المعظم نفسه -، ولم يأت بالهمزة كما في تلك الآية؛ ليخالف في الإخبار بين النسبة الإسنادية فيما يفعله بالكافر، وبالمؤمن؛ كما خالف في الفعل؛ ولأن المؤمن العامل للصالحات عظيم عند الله، فناسبه الإخبار عن المجازي بنون العظمة.

٥٨ - {ذَلِكَ} المذكور الذي ذكرته لك من خبر عيسى، وأمه مريم، وأمها، وزكريا، وابنه يحيى، ومن خبر الحواريين واليهود. {نَتلُوُه}؛ أي: نقرأه {عَلَيْكَ} يا محمَّد على لسان جبريل الأمين، وإنما أضاف ما يتلوه جبريل إلى نفسه سبحانه وتعالى؛ لأنه من عنده وبأمره من غير تفاوت أصلًا، فأضافه إليه حالة كونه {مِنَ الْآيَاتِ}؛ أي: من العلامات الدالة على نبوتك يا محمَّد؛ لأنها إخبار لا يعلمها إلا من يقرأ ويكتب، أو نبي يُوحى إليه، وأنت أميٌّ لا تقرأ ولا تكتب، فثبت أن ذلك من الوحي السماوي الذي أنزل عليك {وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ}؛ أي: القرآن المحكم الذي {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (٤٢)}.

وقد روى - كما مر لك -: أنه حضر وفد نصارى نجران على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقالوا له: ما شأنك تذكر صاحبنا ونسبه؟ فقال: مَنْ هو؟ قالوا: عيسى، قال: وما أقول؟ قالوا: تقول إنه عبد، قال: أجل هو عبد الله، ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول. فغضبوا وقالوا: هل رأيت إنسانًا قط من غير أب؟ ومن لا أب له فهو ابن الله، ثم خرجوا من عنده - صلى الله عليه وسلم -، فجاءه جبريل فقال: قل لهم إذا أتوك:

٥٩ - {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى}؛ أي: إن شأن عيسى وصفته في خلق الله تعالى إياه على غير مثال سابق؛ أي: من غير أب {كَمَثَلِءَادَمَ} أبي البشر؛ أي: كشأن آدم وصفته، ثم فسر هذا المثل وفصل ما أجمله فقال: {خَلَقَهُ}؛ أي: خلق آدم وأوجده وكوَّن جسمه {مِنْ تُرَابٍ} ميت؛ حيث أصابه الماء، فكان طينًا لازبًا لزجًا؛ أي: خلقه بلا أب وأم {ثُمَّ} بعد ما كوَّن جسمه من التراب {قَالَ} الله {لَهُ}؛ أي: لآدم {كُن} بشرًا حساسًا بنفخ الروح فيه {فَيَكُونُ}؛ أي: فكان بشرًا حساسًا ناطقًا ضاحكًا، والتعبير بالمضارع على حكاية الحال الماضية، أو