للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقرىء (١): {ثُمَّ إِلَيْهِ يَرجعون} بفتح الياء وكسر الجيم من رجع اللازم.

٣٧ - ثم ذكر شيئًا من عنادهم الدال على عظيم جحودهم، فقاِل: {وَقَالُوا}؛ أي: وقال الظالمون لأنفسهم الذين يجحدون بآيات ربهم، ويعاندون رسوله إليهم، يعني: من رؤساء مكة، كالحارث بن عامر وأصحابه، وأبي جهل بن هشام، والوليد بن المغيرة، وأمية، وأبي بن خلف، والنضر بن الحارث. {لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ}؛ أي: هلا أنزل على محمد آية ومعجزة من ربه دالة على نبوته من الآيات التي اقترحناها عليه، وجعلناها شرطًا لإيماننا به، كجعل الصفا ذهبًا، وتوسيع أرض مكة، وتفجير الأنهار خلالها، أو من المعجزات التي أعطيها الأنبياء من قبله، كفلق البحر وإظلال الجبل، وإحياء الموتى، وإنزال الملائكة، وقلب العصا حية. {قُلْ} لهم يا محمَّد {إِنَّ اللَّهَ} سبحانه وتعالى {قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً}؛ أي: على تنزيل آية مما اقترحوا؛ أي: على أن يوجد خوارق للعادة كما طلبوا إذا اقتضت الحكمة تنزيلها، لا ما تتعلق شهواتهم بتعجيز الرسول بطلبها، فقد مضت سنة الله تعالى بأن إجابة المعاندين إلى ما اقترحوا لم تكن سببًا للهداية في أمة من الأمم، بل كانت سببًا في عقاب المعاجزين للرسل بعذاب الاستئصال، وتنزيل الآية لا يكون خيرًا لهم، بل هو شر لهم. {وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} شيئًا من حكم الله تعالى في أفعاله، ولا من سننه في خلقه؛ أي: لا يدرون (٢) أن في تنزيلها قلعًا لأساس التكليف المبنيِّ على قاعدة الاختيار، وأن الله تعالى لو أعطاهم ما طلبوه من المعجزات القاهرة، فلم يؤمنوا عند ظهورها .. لاستحقوا عذاب الاستئصال، ولم يبق لهم عذر ولا علة، كما هو سنة الله، فاقتضت رحمة الله بهم صونهم عن هذا البلاء، فما أعطاهم هذا المطلوب رحمة منه تعالى عليهم، وإن لم يعلموا كيفية هذه الرحمة.

والخلاصة: أن طلبهم للآية أو الآيات مع وجود هذه الآيات البينات إنما هو محاولة تعجيز الرسول، لا أنه هو الدليل الذي يوصلهم إلى صدقه، يرشد إلى


(١) البحر المحيط.
(٢) المراح.