للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فراق أوطاننا العيلة، {الْعَلِيمُ} بما في أنفسكم، وإليه يصير أمركم وأمر عدوكم، من إذلال الله إياه ونصرتكم عليه، ولا تخفى عليه خافية من أمور خلقه.

وقال ابن عباس: لا يدخر الرزق إلا الآدمي والنمل والفأرة والعقعق. وقيل عن بعضهم: رأيت البلبل يحتكر في حضنيه، وروى ابن عباس: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال للمؤمنين بمكة حين آذاهم المشركون: "اخرجوا إلى المدينة، وهاجروا ولا تجاوروا الظلمة". قالوا: ليس لنا بها دار ولا عقار ولا من يطعمنا، ولا من يسقينا، فنزلت الآية.

٦١ - ثم إنه سبحانه ذكر حال المشركين من أهل مكة وغيرهم، وعجب السامع من كونهم يقرون بأنه خالقهم ورازقهم ولا يوحدونه، ولا يتركون عباده غيره، فقال: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ}؛ أي: أهل مكة {مَنْ} استفهام {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ} السبع {وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ} لمصالح العباد، حيث يجريان على الدوام، أتى (١) بشيئين:

أحدهما: يتعلق بالذوات، وهو خلق السماوات والأرض.

والثاني: يتعلق بالصفات، وهو تسخير الشمس والقمر لإصلاح الأقوات، ومعرفة الأوقات، وغير ذلك من المنافع.

{لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} أي: وعزتي وجلالي ليقولن أهل مكة: خلقهن الله - سبحانه وتعالى - إذ لا سبيل لهم إلى الإنكار لما تقرر في العقول، من وجوب انتهاء الممكنات، إلى واحد واجب الوجود، {فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ}؛ أي (٢): فكيف يصرفون عن الإقرار بتفرده في الإلهية، مع إقرارهم بتفرده فيما ذكر من الخلق والتسخير، فهو إنكار واستبعاد لتركهم العمل بموجب العلم، وتوبيخ وتقريع عليه، وتعجيب منه.


(١) الفتوحات.
(٢) روح البيان.