ومن رجع من المنافقين من الخندق إلى المدينة، فإذا جاءهم المنافق .. قالوا له: ويحك، اجلس ولا تخرج، ويكتبون إلى إخوانهم في العسكر: أن ائتونا فإنا ننتظركم، وكانوا لا يأتون العسكر إلا أن لا يجدوا بدًا من إتياته، فيأتون ليرى الناس وجوههم، فإذا غفل عنهم .. عادوا إلى المدينة، فنزلت هذه الآية؟
والمعنى (١): أي إن ربك أيها الرسول، ليعلم حق العلم من يثبطون الناس عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، يصدونهم عنه، وعن شهود الحرب معه، نفاقًا منهم، وتخذيلًا عن الإِسلام، ويعلم الذين يقولون لأصحابهم خلطائهم من أهل المدينة: تعالوا إلى ما نحن فيه من الظلال والثمار، ودعوا محمدًا فلا تشهدوا معه مشهدًا، فإنا نخاف عليكم الهلاك، ولا يأتون المعسكر إلا ليراهم المخلصون، فإذا غفلوا عنهم .. تسللوا لواذًا، وعادوا إلى بيوتهم.
١٩ - ثم ذكر بعض معايبهم، من البخل والخوف والفخر الكاذب فقال:
١ - {أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ} حال من فاعل {يَأْتُونَ}؛ أي: حالة كونهم بخلاء عليكم، لا يعاونونكم بحفر الخندق، ولا بالنفقة والنصرة في سبيل الله، فهم لا يودون مساعدتكم، لا بنفس ولا بمالٍ، قاله مجاهد وقتادة، وقيل: بخلاء بالقتال معكم، وقيل: بالنفقة على فقرائكم ومساكينكم، وقيل: أشحةً بالغنائم إذا أصابوها، قاله السدي. وقرأ الجمهور: بالنصب، وقرأ ابن أبي عبلة: بالرفع.
٢ - {فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ}؛ أي: الخوف من العدو {رَأَيْتَهُمْ}؛ أي: رأيت يا محمد، أو أيها المخاطب أولئك المعوقين {يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ} يا محمد في تلك الحالة، حالة كونهم {تَدُورُ} وتتحرك {أَعْيُنُهُمْ} وأبصارهم في أحداقهم يمينًا وشمالًا، وذلك شأن الجبان، إذا شاهد ما يخافه، و (الكاف) في قوله: {كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ}: صفة لمصدر محذوف؛ أي: تدور أعينهم دورانًا كائنًا كدوران عين المغشي عليه من معالجة سكرات الموت وأسبابه، حذرًا وخوفًا