في هذه الأخبار عن التحريم وعلته؛ لأن أخبارنا صادرة عن العلم المحيط بكل شيء، ولأن الكذب محال علينا؛ لأنه نقص، فلا يصدر عنا،
١٤٧ - والمكذبون في قوله:{فَإِنْ كَذَّبُوكَ} إما اليهود، والمعنى عليه: فإن كذبك يا محمد اليهود، وثقل عليهم أن يكون بعض شرعهم عقابا لهم على ما كان من بغيهم على الناس وظلمهم لهم ولأنفسهم، واحتجوا على إنكار كونه عقوبة بكون الشرع رحمة من الله {فَقُلْ} لهم في الجواب {رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ واسِعَةٍ}؛ أي: فأجبهم بما يدحض ويبطل هذه الشبهة بأن رحمة الله واسعة حقا {وَ} لكن {لا} يقتضي ذلك أن {يُرَدُّ بَأْسُهُ} ويمنع عقابه {عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ} فإصابة الناس بالمحق والشدائد عقابا لهم على جرائم ارتكبوها قد تكون رحمة بهم، وقد تكون عبرة وموعظة لغيرهم؛ لينتهوا عن مثلها، وهذا العقاب من سنن الله المطردة في الأمم، وإن لم يطرد في الأفراد. وإما المشركون، والمعنى عليه: فإن كذبك المشركون فيما فصلناه من أحكام التحليل والتحريم فقل لهم: ربكم ذو رحمة واسعة ولا يعاجلكم بالعقوبة على تكذيبكم فلا تغتروا به فإنه إمهال لكم لا إهمال لمجازاتكم، وفي هذا تهديد لهم ووعيد إذا هم أصروا على كفرهم وافترائهم على الله تعالى بتحريم ما حرموا على أنفسهم كما أن فيه إطماعا لهم في رحمته الواسعة إذا رجعوا عن إجرامهم، وآمنوا بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم فيسعدون في الدنيا بحل الطيبات، وفي الآخرة بالنجاة من النار ودخول الجنات.
١٤٨ - {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا}؛ أي: سيقول لك يا محمد هؤلاء المشركون عنادا لا اعتذارا عن ارتكاب هذه القبائح {لَوْ شاءَ اللَّهُ} سبحانه وتعالى أن لا نشرك به من اتخذنا من الأولياء والشفعاء من الملائكة والبشر، وأن لا نعظم ما عظمنا من تماثيلهم وصورهم، وأن لا يشرك آباؤنا من قبلنا لـ {ما أَشْرَكْنا} نحن {وَلا} أشرك {آباؤُنا} من قبلنا {وَ}: لو شاء الله أن {لا} نحرم شيئا مما حرمنا من الحرث والأنعام وغيرها لـ {حَرَّمْنا مِنْ شَيْءٍ} ولكنه تعالى شاء أن نشرك به هؤلاء الأولياء والشفعاء؛ ليقربونا إليه زلفى، وشاء أن نحرم ما حرمنا من البحائر والسوائب وغيرها، فحرمناها، فإتياننا إياها دليل على مشيئته تعالى وعلى رضاه وأمره بها. وقد رد عليهم شبهتهم، فقال:{كَذلِكَ}؛ أي: ومثل ذلك التكذيب