للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ويعاقب الماكرين بهم، ليوفي كل نفس جزاء ما كسبت. وفي هذا ما لا يخفى من شديد الوعيد والتهديد للكافرين الماكرين. ثم أكد هذا التهديد بقوله: {وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّار} إذا قدموا إلى ربهم يوم القيامة حين يدخل الرسول والمؤمنون الجنة، ويدخلون النار {لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ}؛ أي: لمن العاقبة المحمودة من الفريقين في الدار الآخرة، وإن جهلوا ذلك من قبل؛ أي: سيعلم (١) جنس الكافر لمن العاقبة المحمودة من الفريقين في دار الدنيا، أو الدار الآخرة، أو فيهما. وقيل: المراد بالكافر: أبو جهل.

وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وأبو جعفر (٢): {الكافر} بالإفراد والمراد به الجنس. وقرأ الباقون: {الْكُفَّارُ} بالجمع جمع تكسير، وابن مسعود شاذًا: {الكافرون} جمع سلامة. وأبي شاذًا أيضًا: {الذين كفروا}. وقرأ جناح بن حبيش: {وسيعلم الكفار} مبنيًّا للمفعول من أعلم؛ أي: وسيخبر وهي شاذة أيضًا.

٤٣ - وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قدم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسقف من اليمن، فقال له عليه السلام: "هل تجدني في الإنجيل رسولًا"؟ قال: لا، فأنزل الله تعالى: {وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا}؛ أي: ويقول المشركون أو جميع الكفار {لَسْتَ} يا محمد {مُرْسَلًا} من عند الله إلى الناس. أي: ويقول الجاحدون لنبوتك الكافرون برسالتك: لست مرسلًا من عند الله، أرسلك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور، وتدعوهم إلى عبادة إله واحد لا شريك له، وتنقذهم من عبادة الأصنام والأوثان، وتصلح حال المجتمع البشري، وتمنع عنه الظلم والفساد، فأمر الله سبحانه بأن يجيب عليهم، فقال: {قُلْ} لهم يا محمد {كَفَى بِاللهِ} سبحانه وتعالى من جهة كونه {شَهِيدًا}؛ أي: شاهدًا {بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ} فهو يعلم صحة رسالتي وصدق دعوتي، ويعلم كذبكم.

أي: قل حسبي الله شاهدًا بتأييد رسالتي وصدق مقالتي؛ إذ أنزل علي هذا


(١) الشوكاني.
(٢) البحر المحيط.