وكذلك جمع كلمة المهاجرين والأنصار على ما يدل (١) به كل منهما بميزة لا تتوافر لسواه، فالمهاجرون لهم مزية القرب من الرسول، والسبق إلى الإيمان، والأنصار لهم ميزة المال والقوة، وإنقاذ الرسول وقومه من ظلم مشركي مكة، وإيواؤهم ومشاركتهم لهم في أموالهم، فكل هذا من عوامل التحاسد والتنازع، لولا فضل الله وعنايته. ومن ثم قال:{وَلَكِنَّ اللَّهَ} سبحانه وتعالى {أَلَّفَ بَيْنَهُمْ}؛ أي: جمع بين قلوبهم بعظيم قدرته وبديع صنعه؛ إذ هداهم إلى الإيمان الذي دعوتهم إليه فتألفت قلوبهم {إِنَّهُ} سبحانه وتعالى {عَزِيزٌ} لا يغالبه مغالب، ولا يستعصي عليه أمر من الأمور؛ أي: إنه تعالى الغالب على أمره الذي لا يغلبه خداع الخادعين، ولا كيد الماكرين {حَكِيمٌ} في تدبيره ونفوذ نهيه وأمره وفي جميع أفعاله، فينصر الحق على الباطل، ويفضل الجنوح للسلم إذا جنح إليها العدو على الحرب.
٦٤ - وقوله:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} ليس تكرارًا لما قبله، فإن الأول مقيد بإرادة الخداع؛ حيث قال:{وإن يريدوا أن يخدوعك فإن حسبك الله} فهذه كفاية خاصة، وفي قوله:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ ...} إلخ، كفاية عامة غير مقيدة.
والواو في قوله:{وَمَنِ اتَّبَعَكَ} يحتمل أن تكون للعطف على الاسم الشريف، والمعنى حينئذٍ: حسبك الله وحسبك المؤمنون، أي: كافيك الله وكافيك المؤمنون. ويحتمل أن تكون بمعنى مع، كما تقول: حسبك وزيدًا درهمٌ، والمعنى: كافيك وكافي المؤمنين الله؛ لأن عطف الظاهر على المضمر في مثل هذه الصورة ممتنع كما تقرر في علم النحو، وأجازه الكوفيون؛ أي: إنَّ الله سبحانه وتعالى كافٍ لك يا محمَّد كل ما يهمك من أمر الأعداء وغيرهم وكافٍ لمن اتبعك وأيدك من المؤمنين من المهاجرين والأنصار، وهذا المعنى الأخير أرجح وأوضح من الأول وإن كان من حيث العربية ضعيفًا. وقيل: يجوز أن
(١) يقال: دل بعطائه إذا افتخر به على أقرانه اهـ م ج.