للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

لأن دعوتهم إلى التوحيد متفقة، فاتباع واحد منهم اتباع لجميعهم، وهذا منهم سؤال للرجوع إلى الدنيا لما ظهر لهم الحق في الآخرة: {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ}.

ثم حكى سبحانه ما يجاب به عنهم عندما قالوا هذه المقالة، فقال: {أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ}، فالهمزة فيه للاستفهام التقريري التوبيخي التبكيتي داخلة على محذوف، والواو عاطفة على ذلك المحذوف، ويكون ذلك المحذوف على ما عطف عليه مقولًا لقول محذوف، والتقدير: فيقال (١) لهم توبيخًا وتبكيتًا: ألم تؤخروا في الدنيا، ولم تكونوا أقسمتم من قبل؛ أي: من قبل هذا اليوم؛ أي: حلفتم إذ ذاك بألسنتكم تكبرًا وغرورًا {مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ}؛ أي: ما لكم انتقال من دار الدنيا وارتحال منها إلى دار أخرى للمجازاة إنكارًا للبعث والنشور، أو بألسنة حالكم حيث استغرقتم في الشهوات وأخلدتم إلى الحياة الدنيا، وأملتم بعيدًا ولم تحدثوا بأنفسكم بالانتقال عن هذه الحال، فكأنكم لا تموتون. وجواب القسم جملة قوله: {مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ} وإنما (٢) جاء بلفظ الخطاب في قوله: {مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ} لمراعاة {أَقْسَمْتُمْ}، ولولا ذلك لقال: ما لنا من زوال. وقيل: قسمهم هذا هو ما حكاه الله عنهم في قوله: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ}.

٤٥ - وجملة قوله: {وَسَكَنْتُمْ ...} إلخ. معطوف على {أَقْسَمْتُمْ}؛ أي: أولم تكونوا أقسمتم وسكنتم؛ أي: استقررتم ونزلتم {فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ}؛ أي: منازل الذين {ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ} بالشرك والمعاصي، كعاد وثمود وغيرهما غير محدثين لأنفسكم بما لقوا من العذاب بسبب ما اكتسبوا من السيئات {وَتَبَيَّنَ لَكُمْ}؛ أي: وظهر لكم بمشاهدة الآثار وتواتر الأخبار {كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ} من الإهلاك والعقوبة بما فعلوا من الظلم والفساد. وفاعل {تَبَيَّنَ} ما دلت عليه الجملة


(١) روح البيان.
(٢) الشوكاني.