على النصفة والعدل في جميع الأحوال، وجاهدوا أعدائي، وأعداكم، وأتعبوا أنفسكم في قتالهم ومنعهم من مقاومة الدعوة {لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} وتظفرون بنيل مرضاته، وبالفوز بكراماته؛ أي: افعلوا كل هذا المذكور، رجاء الفوز والفلاح والسعادة في المعاش والمعاد والخلود في جنات النعيم.
واعلم أنَّ (١) مجامع التكليف محصورة في نوعين: أحدهما: ترك المنهيات، وهو المشار إليه بقوله تعالى:{اتَّقُوا اللَّهَ} وثانيهما: فعل المأمورات وهو المشار إليه بقوله: {وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ} والمراد بطلب الوسيلة والقرب إليه تعالى هو تحصيل مرضاته، وذلك بالعبادات والطاعات. ولما أمر الله تعالى بترك ما لا ينبغي وبفعل ما ينبغي، وكان الانقياد لذلك عن أشق الأشياء على النفس، وأشدها ثقلًا على الطبع، لأن النفس لا تدعو إلا إلى المشتهيات واللذات المحسوسة .. أردف ذلك التكليف بقوله:{وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ}؛ أي: بمحاربة أعدائه البارزة والكامنة. ثم إن من يعبد الله تعالى فريقان: منهم من يعبده لا لغرض سوى الله، وهو المشار إليه بقوله:{وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ} ومنهم من يعبده للثواب مثلًا، وهو المشار إليه بقوله:{لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}؛ أي: تفوزون بالمحبوب، وتخلصون من المكروه،
٣٦ - ثم أكد ما سبق من أن مدار الفوز والفلاح تقوى الله وتزكية النفس، فقال:{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا}؛ أي: إن الذين جحدوا ربوبية ربهم، وعبدوا غيره من عجل أو صنم أو وثن وماتوا وهم على هذه الحال قبل التوبة {لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا}؛ أي: لو ثبت أن لكل واحد منهم ما في الأرض من أصناف أموالها، وذخائرها وسائر منافعها جيعًا {وَمِثْلَهُ مَعَهُ}؛ أي: وضعفه معه {لِيَفْتَدُوا بِهِ}؛ أي: ليجعلوا كلًّا منهما فدية لأنفسهم {من عذاب يوم القيامة}؛ أي: من تعذيب الله إياهم على تركهم أمره، وعبادتهم غيره، فافتدوا بذلك كله من العذاب الواقع يوم القيامة؛ {مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ}؛ أي: ما تقبل الله منهم ذلك فداء وعوضًا