للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

عليّ، والمفضل عن عاصم بالتخفيف من الكذب. والمراد بالكذب: قولهم في القرآن: سحر وافتراء، وفي المطر من الأنواء.

والخلاصة (١): أنكم تضعون الكذب موضع الشكر. وهذا على نحو ما جاء في قوله تعالى: {وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً}؛ أي: لم يكونوا يصلون، لكنهم كانوا يصفقون، ويصفقون مكان الصلاة. قال القرطبي: وفي هذا بيان بأن ما يصيب العباد من خير، فلا ينبغي أن يروه من قبل الوسائط التي جرت العادة بأن تكون أسبابًا، بل ينبغي أن يروه من قبل الله تعالى، ثم يقابلوه بالشكر إن كان نعمة، وبالصبر إن كان مكروهًا تعبدًا له وتذلَّلًا، اهـ.

٨٣ - {فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (٨٣)} لولا (٢) للتحضيض لإظهاد عجزهم. و"إذا" ظرفية مجردة أو مضمنة معنى الشرط. والحلقوم: مجرى الطعام. وفي "كشف الأسرار": مجرى النفس. والبلعوم: مجرى الطعام. وجواب لولا هو ما سيأتي بقوله: {تَرْجِعُونَهَا}. والضمير في {بَلَغَتِ} عائد إلى غير مذكور. وهو الروح، ولم يتقدم لها ذكر .. لأن المعنى مفهوم عندهم إذا جاؤوا بمثل هذه العبارة؛ أي: فهلا إذا بلغت النفس؛ أي: الروح أو نفس أحدكم، وروحه الحلقوم وتداعت إلى الخروج. وفي الحديث: "إن ملك الموت له أعوان يقطعون العروق، ويجمعون الروح شيئًا فشيئًا حتى ينتهى بها إلى الحلقوم، فيتوفاها ملك الموت ".

٨٤ - {وَأَنْتُمْ} {الواو} للحال من فاعل {بَلَغَتِ}؛ أي: والحال أنتم أيها الحاضرون حول صاحبها {حِينَئِذٍ}؛ أي: حين إذ بلغت الروح الحلقوم {تَنْظُرُونَ} إلى ما هو فيه من الغمرات والسكرات. ولكم تعطف عليه، وشفقة ووفور رغبة في إنجائه من المهالك.

٨٥ - {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ}؛ أي: إلى ذلك المحتضر علمًا، وقدرة، وتصرفًا. قال بعضهم: عبر عن العلم بالقرب الذي هو أقوى سبب الاطلاع. {مِنْكُمْ} أيها الحاضرون حوله، حيث لا تعرفون حاله إلا ما تشاهدونه من آثار الشدة من غير أن تقفوا عن كنهها، وكيفيتها، وأسبابها, ولا أن تقدروا على دفع أدنى شي منها. ونحن المتولون لتفاصيل أحواله بعلمنا وقدرتنا، أو بملائكة الموت الذين يقبضون روحه {وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ}؛ أي:


(١) المراغي.
(٢) روح البيان.