{بِيَدِ اللَّهِ} فإنه مالك له {يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ} من عباده؛ أي: يعطيه محمدًا وأصحابه.
والله تعالى حكى عن اليهود أمرين:
أحدهما: أنهم آمنوا وجه النهار وكفروا آخره؛ ليصير ذلك شبهة للمسلمين في صحة الإِسلام، فأجاب الله عن ذلك بقوله:{إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ}؛ أي: إن مع كمال هداية الله وقوة بيانه، لا يكون لهذه الشبهة الركيكة قوة ولا أثر.
وثانيهما: أنهم استنكروا أن يؤتى أحد مثل ما أوتوا من الكتاب والحكمة والنبوة، فأجاب الله عن ذلك بقوله:{قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ}. {وَاللَّهُ وَاسِعٌ} الفضل وكامل القدرة، فيقدر أن يتفضل على أي عبد شاء بأي تفضل شاء {عَلِيمٌ}؛ أي: كامل العلم، فلا يكون شيء من أفعاله إلا على وجه الحكمة والصواب.
٧٤ - {يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ}، أي: يخص برحمته من النبوة والرسالة والدين، أي: برحمته التي بلغت في الشرف وعلو المرتبة إلى أن تكون أعلى وأجل من أن تقاس، أي: يجعل رحمته مقصورة على {مَنْ يَشَاءُ}: من عباده؛ أي: محمدًا وأصحابه. {وَاللَّهُ} سبحانه وتعالى {ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} والمنّ الجسيم، فلا نهاية لمراتب إعزاز الله وإكرامه لعباده، والله أعلم بمعنى كلامه، وهو ولي التوفيق لأقوم العبارة والتحقيق، وهذا من المواضع التي تشاك فيها الأقدام، وتكل فيها الأقلام، وارتابت فيها الأفهام، وارتبكت فيها الأعلام إلا من مُنح بمنح العالم العلَّام. قال الواحدي: وهذه الآية من مشكلات القرآن وأصعبه تفسيرًا وإعرابًا، ولقد تدبرت أقوال أهل التفسير والمعاني في هذه الآية، فلم أجد قولًا يطرد في الآية من أولها إلى آخرها مع بيان المعنى، وصحة النظم.