للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أخرجه أحمد والترمذي وابن ماجه والحاكم.

١٩ - والاستفهام في قوله: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} للإنكار، وهو كلام مستأنف خوطب به المشركون، التفاتًا من الغيبة في قوله: {مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا ...} إلخ، وقيل: خوطب به المؤمنون الذين تنازعوا أَيِّ الأعمال أفضل.

والسقاية والعمارة مصدران، كالسعاية والحماية، فالسقاية: إسقاء الحجاج، وإعطاء الماء لهم، والعمارة: تعمير المسجد تعميرًا حسيًّا أو معنويًّا، كما مر، ولا بد من تقدير مضاف، ليتفق الموضوع والمحمول، إما في الآخر، والتقدير: أجعلتم أيها المشركون، أو المؤمنون، سقاية الحجاج وعمارة المسجد الحرام {كـ} ـعمل {من آمن بالله} سبحانه وتعالى، أو كإيمان من أمن بالله. وإما في الأول، والتقدير: أجعلتم أهل سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام الذين هم المشركون، كمن آمن بالله في الفضيلة وعلو الدرجة، ويؤيد هذا التأويل قراءة ابن الزبير وغيره: {أجعلتم سُقاة الحاجِّ وعَمَرَةَ المسجدِ الحرامِ} جمع ساقٍ وعامر، وعلى هذه القراءة لا يحتاج إلى تقدير مضاف.

والمراد (١): أنه لا ينبغي أن تجعلوا أهل السقاية والعمارة في الفضيلة كمن آمن بالله {وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} تعالى؛ أي: في طاعته لإعلاء كلمته، فإنَّ السقاية والعمارة، وإن كانتا من أعمال البر والخير، فأصحابهما لا يدانون أهل الإيمان والجهاد في علوِّ المرتبة وشرف المقدار.

والمعنى (٢): أنَّ الله تعالى أنكر عليهم التسوية بين ما كان تعمله الجاهلية من الأعمال التي صورتها صورة الخير، وإن لم ينتفعوا بها، وبين إيمان المؤمنين وجهادهم في سبيل الله، وقد كان المشركون يفتخرون بالسقاية والعمارة، ويفضلونهما على عمل المسلمين، فأنكر عليهم ذلك ثم صرح سبحانه بالمفاضلة بين الفريقين، وتفاوتهم وعدم استوائهم، فقال: {لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ} تعالى؛ أي:


(١) المراغي.
(٢) الشوكاني.