للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

للإغراق؛ أي: يغرقهم لينتقم منهم، ويعلم الذين يجادلون {فِي آيَاتِنَا} بالتكذيب ويسعون في دفعها {مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ}؛ أي: من مهرب من عذاب الله، وجملة النفي سدت مسد مفعولي يعلم، والنفي معلق عن العمل، وبالجزم عطفًا على المجزوم قبله على معنى: وإن يشأ يجمع بين أمور ثلاثة: إهلاك قوم، ونجاة قوم، وتحذير آخرين؛ لأن قوله: {وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِنَا} إلخ يتضمن تحذيرهم من عقاب الله تعالى. وعلى هذه القراءة، فلا يوقف على كثير، بخلاف القراءتين الأوليين، فالوقف عليه تام. أما القراءة الأولى، أعني (١): قراءة الرفع، فقرأ بها الأعرج وأبو جعفر وشيبة ونافع وابن عامر وزيد بن علي، وأما الثانية أعني: قراءة النصب، فقرأ بها الجمهور، وأما القراءة الثالثة فشاذة.

والمعنى (٢): أي وليعلم الذين ينازعون في آياتنا على جهة التكذيب، لها أنه لا مخلص لهم، ولا مهرب إذا وقفت السفن، أو إذا عصفت الريح، فيكون ذلك سببًا لاعترافهم، بأن الإله النافع الضار، ليس إلا الله سبحانه وتعالى.

والخلاصة: فكما لا مخلص لهم إذا وقفت، أو عصفت الرياح؛ كذا لا مهرب لهم من عذابه بعد البعث، فلا بد من الاعتراف بأن الضار والنافع ليس إلا الله، وأن كل أمر حدث فإنما هو بتأثيره.

٣٦ - ولما ذكر سبحانه دلائل التوحيد .. ذكر التنفير عن الدنيا، فقال: {فَمَا أُوتِيتُمْ}؛ أي: أعطيتم أيها الناس {مِنْ شَيْءٍ}: مما ترغبون فيه، وتتنافسون به، من الغنى، والسعة في الرزق، والمال، والبنين {فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}؛ أي: فهو متاعها ومنفعتها، تتمتعون وتنتفعون به مدة حياتكم القليلة، فيزول ويفنى؛ ولله در القائل:

إِنَّمَا الدُّنْيَا فَنَاءٌ ... لَيْسَ للدُّنْيَا ثُبُوْتْ

إِنَّمَا الدُّنْيَا كَبَيْتٍ ... نَسَجَتْهُ الْعَنْكَبُوْتْ

وفي هذا، تحقير لشأن هذه الحياة، وزينتها، وما فيها من النعيم الزائل،


(١) البحر المحيط.
(٢) المراغي.