{فما}(١) موصولة، متضمنة لمعنى الشرط، من حيث إن إيتاء ما أوتوا سبب للتمتع به في الحياة الدنيا, ولذا دخلت الفاء في جوابها، وقدر المبتدأ لأن الجواب لا يكون إلا جملة. يعني: أن سببيته مقصود فيها الإعلام لتضمنها الترغيب في الشكر، بخلاف الثانية أعني: قوله تعالى: {وَمَا عِنْدَ اللَّهِ} إلخ، فان المقصود فيها، بيان حال أن ما عند الله، سبب للخيرية والدوام، وقيل: إن {ما} شرطية، على أنها مفعول ثان لـ {أُوتِيتُمْ} بمعنى أعطيتم، والأول هو ضمير المخاطبين، قائم مقام الفاعل، ومن شيء بيان لها، لما فيها من الإبهام.
ثم رغبهم في ثواب الآخرة، وما عند الله من النعيم المقيم فقال:{وَمَا عِنْدَ اللَّهِ} يسبحانه وتعالى، من ثواب الآخرة {خَيْرٌ} ذاتًا، لخلوص نفعه من المكدرات {وَأَبْقَى} زمانًا، حيث لا يزول ولا يفنى، بخلاف ما في الدنيا، أي: وما عند الله تعالى من ثواب الطاعات والجزاء عليها، والنعيم المقيم خير من زهرة الدنيا؛ لأنه باق سرمدي، وما في الدنيا زائل فانٍ، والعقل قاض بترجيح الباقي على الفاني، وفيه إشارة إلى أن الراحات في الدنيا لا تصفو، ومن الشوائب لا تخلو، وإن اتفق لبعضهم منها في الأحايين، فإنها سريعة الزوال وشيكة الارتحال، وما عند الله من الثواب الموعود، خير وأبقى من هذا القليل الموجود، بل ما عند الله من الألطاف الخفية والمقامات العلية، والمواهب السنية خير وأبقى مما في الدنيا والآخرة.
ثم بين سبحانه، أنه لا يكون خيرًا إلا لمن اتصف بصفات:
١ - {لِلَّذِينَ آمَنُوا} تنازع فيه كل من خير، وأبقى؛ أي: ما عند الله تعالى خير، للذين صدقوا وحدانية الله، وآمنوا برسوله، وعملوا على ما يوجبه الإيمان.
٢ - {وَ} خير للدَّين {عَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ}؛ أي وخير للذين على من رباهم بإحسانه يعتمدون، وإليه يفوضون أمورهم. ولا يلتفتون إلى غيره في مهام أمورهم. رُوي: أن الآية نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه حين تصدق