موسى فأخبروه بالواقعة، فأمرهم أن يكتموا ما شاهدوه، فلم يقبلوا قوله إلا رجلان منهم، وهما يوشع وكالب؛ فإنها سهلا الأمر وقالا: هي بلاد طيبة كثيرة النعم، وقلوب القوم الذين فيها ضعيفة، وإن كانت أجسامهم عظيمة. وأما العشرة من النقباء .. فقد أوقعوا الجبن في قلوب الناس، حتى أظهروا الامتناع من غزوهم، ورفعوا أصواتهم بالبكاء وقالوا: ليتنا متنا بمصر ولا يدخلنا الله بأرضهم، فتكون نساؤنا وأولادنا وأموالنا غنيمة لهم
٢٢ - {قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا}؛ أي: قال قوم موسى له: إن في الأرض المقدسة {قَوْمًا جَبَّارِينَ}؛ أي: عاتين متغلبين لا طاقة لنا بهم، ولا قوة لنا بقتالهم، وسمي أولئك القوم جبارين لشدة بطشهم، عظم خلقهم، وكانوا ذوي أجسام عظيمة، وأشكالٍ هائلة، وهم العمالقة بقية قوم عاد. وقيل: من الروم من ولد عيص بن إسحاق.
وقرأ ابن السميقع:{قالوا يا موسى فيها قوم جبارون}. {وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا}؛ أي: لن ندخل أرض الجبارين التي أمرهم الله بدخولها؛ وهي الأرض المقدسة {حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا}؛ أي: حتى يخرج الجبارون من الأرض المقدسة، من غير صنع منا، فإنَّه لا طاقة لنا بإخراجهم منا، وإنَّما قالوا ذلك .. استبعادًا لخروج الجبارين منها، كقوله:{ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط}{فَإِنْ يخرُجُوا مِنها} بسبب ليس منا {فَإنَّا داخلون} فيها.
والخلاصة (١): أنَّ موسى لما قرب بقومه حدود الأرض المقدسة العامرة الآهلة .. أمرهم بدخلوها مع الاستعداد لقتال من يقاتلهم من أهلها، وأنهم لما غلب عليهم الضعف والذل، واضطهاد المصريين لهم، وظلمهم إياهم .. أبوا وتمردوا واعتذروا بضعفهم، وقوة أهل تلك البلاد، وحاولوا الرجوع إلى مصر، وقالوا لموسى: إنَّا لن ندخل هذه الأرض ما دام هؤلاء الجبارون فيها، وقولهم {فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ} تأكيد لما فهم مما قبله، مشعر بأنه لا علة لامتناعهم إلا ما ذكروه، وفي إجابتهم هذه دليل على منتهى الضعف، وخور