فقول موسى عليه السلام (١): كتب الله لكم، يريد به ما وعد الله به إبراهيم من حق السكنى في تلك البلاد المقدسة، لا أنَّ المراد أنَّها تكون لها ملكًا لهم، لا يزاحمهم فيها أحد؛ لأن هذا مخالف للواقع، ولن يخلف الله وعده، فاستنباط اليهود من ذلك الوعد أنَّه لا بد أن يعود لهم ذلك الملك ليس بصحيح.
ونص هذا الوعد في سفر التكوين من التوراة: أنَّه لما مرّ إبراهيم بأرض الكنعانيين .. ظهر له الربّ وقال: لنسلك أعطيت هذه الأرض. وجاء فيه أيضًا: في ذلك اليوم قطع الرب مع إبرام ميثاقًا قائلًا: لنسلك أعطيت هذه من نهر مصر إلى النهر الكبير نهر فرات.
{وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ}؛ أي: لا تنكصوا ولا ترجعوا إلى خلفكم وعلى أعقابكم؛ أي: إلى مصر خوف العدوّ، وتتركوا طاعتي وما أوجبته عليكم من قتال الجبارين جبنًا وفشلًا {فَتَنْقَلِبُوا} وتصيروا بسبب ذلك {خَاسِرِينَ} لخيري الدنيا والآخرة؛ لأن الفرار من الزحف من الكبائر، فإنهم لما سمعوا أخبار الجبارين قالوا: نجعل لنا رئيسًا ينصرف بنا إلى مصر، وصاروا يبكون ويقولون: يا ليتنا متنا بمصر.
والمعنى: أي لا ترجعوا عما جئتكم به من التوحيد والعدل والهدى والرشاد إلى الوثنية، والفساد في الأرض، بالظلم والبغي واتباع الأهواء؛ فإنَّ في هذا الرجوع خسرانًا لكم، إذ تخسرون فيه هذه النعم، ومنها الأرض المقدسة التي ستعطونها جزاء شكركم، فتحرمون من خيراتها وبركاتها، وقد جاء في بعض أوصافها:"أنها تفيض لبنًا وعسلًا" وتعاقبون بالتيه أربعين سنة، ينقرض فيها المرتدون على أدبارهم.
ثم بعث موسي عليه السلام اثني عشر نقيبًا ليتجسسوا لهم عن أحوال تلك الأرض، فلما دخلوا تلك البلاد .. رأوا أجسامًا عظيمة هائلة، ثم انصرفوا إلى