للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ولما كان عتاب الأتباع من باب الجزع ذيلوا جوابهم ببيان أن لا جدوى في ذلك، قالوا: {مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ}؛ أي: من منجًا، ومهرب؛ أي: ليس لنا مهرب ولا خلاص مما نحن فيه إن صبرنا أو جزعنا.

وخلاصة ذلك (١): سيان الجزع والصبر، فلا نجاة لنا من عذاب الله، ومثل هذه الآية قوله: {وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِنَ النَّارِ (٤٧) قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ (٤٨) وقوله: {وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا (٦٧) رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا (٦٨)}.

٢٢ - ولما ذكر سبحانه وتعالى المناظرة التي ستكون بين الأتباع والرؤساء .. أردفها بالمناظرة التي ستكون بين الشيطان وأتباعه؛ فقال: {وَقَالَ الشَّيْطَانُ} الذي أضل الضعفاء والمستكبرين؛ أي: يقول إبليس رئيس الشياطين خطيبًا في محفل الأشقياء من الثقلين {لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ}؛ أي: حين أحكم وفرغ من أمر الخلائق بالحساب والمجازاة بأن استقر أهل الجنة في الجنة، وأهل النار في النار، وقد قالوا له: اشفع لنا، فإنك أضللتنا؛ أي: قال: إبليس مخاطبًا أتباعه من الإنس بعد أن حكم الله بين عباده، فأدخل المؤمنين فراديس الجنات، وأسكن الكافرين سحيق الدركات: {إِنَّ اللَّهَ} سبحانه وتعالى {وَعَدَكُمْ} على ألسنة رسله {وَعْدَ الْحَقِّ} والصدق بالبعث وجزاء كل عامل على عمله إن خيرًا فخير، وإن شرًّا فشر، ووعده حق وخبره صدق، فصدق في وعده إياكم، فوفى لكم بما وعدكم به {وَوَعَدْتُكُمْ} وعد الباطل بأن لا بعث ولا جزاء ولا جنة ولا نار، ولئن كانا فالأصنام شفعاؤكم، ولم يصرح ببطلانه لما دل عليه قوله: {فَأَخْلَفْتُكُمْ} موعدي، فحذف المفعول الثاني؛ أي: نقضته، والإخلاف (٢) حقيقة هو عدم إنجاز من يقدر على إنجاز وعده، وليس الشيطان كذلك، فقوله: {أَخْلَفْتُكُمْ} يكون مجازًا جعل


(١) المراغي.
(٢) روح البيان.