على بلادهم، وغلبوا عباد الأصنام على كثير من بلادهم مما يلي الترك والهند، فثبت أن الذي أخبر الله عنه في هذه الآية قد حصل، وكان ذلك إخبارًا عن الغيب فكان معجزًا.
وروي عن أبي هريرة أنه قال: هذا وعد من الله بأنه تعالى يجعل الإسلام غالبًا على جميع الأديان، وتمام هذا إنما يحصل عند نزول عيسى عليه السلام، فلا يبقى أهل دين إلا دخلوا في الإسلام {وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} ذلك الإظهار .. لأظهره الله تعالى، فجواب {لو} محذوف، كما قدرناه مثل ما مر، سواء بسواء، وقد وصفهم هنا بالشرك بعد أن وصفهم بالكفر، للدلالة على أنهم جمعوا بين الكفر بالرسول وتكذيبه، والشرك بالله، وفي الجملتين إخبار بأن إتمام الله لدينه وإظهاره على جميع الأديان يكون بالرغم من جميع الكفار المشركين منهم، وغير المشركين، وهذا آخر الآيات التي أمر عليٌّ بالتأذين بها في موسم الحج.
٣٤ - ولما فرغ سبحانه وتعالى من ذكر حال أتباع الأحبار والرهبان، المتخذين لهم أربابًا .. ذكر هنا حال المتبوعين فقال:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} بما جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم - {إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ}؛ أي: علماء اليهود {وَالرُّهْبَانِ}؛ أي: علماء النصارى {لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ}؛ أي: ليأخذون الأموال من سفلتهم {بِالْبَاطِلِ}؛ أي: بالوجوه الباطلة، كالرشوة في تخفيف الأحكام والمسامحة في الشرائع وغير ذلك، وعبر عن أخذ الأموال بالباطل بالأكل؛ لأن المقصود الأعظم من جمع الأموال الأكل، فمسمى الشيء باسم ما هو أعظم مقاصده، وأثبت هذا الأكل للكثير منهم؛ لأنَّ فيهم من لم يتلبس بذلك، بل بقي على ما يوجبه دينه من غير تحريف ولا تبديل، ولا ميل إلى حطام الدنيا، ولقد اقتدى بهؤلاء الأحبار والرهبان كثير من الذين يدعون العلم في الإسلام، ممن لا يأتي عليه الحصر في كل زمان، فإنا لله وإنا إليه راجعون، {وَيَصُدُّونَ} الناس؛ أي: يمنعون الناس {عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}؛ أي: عن الدخول في دين الله الذي هو دين الإسلام في زمان محمد - صلى الله عليه وسلم -، لئلا يفوتهم ما يأخذونه من سفلتهم، أو يمنعونهم في كل زمان عما كان حقًّا في شريعتهم قبل نسخها، بسبب أكلهم أموال الناس بالباطل.