والطّنب. قال أبو عبيدة: العقب، والعقب، والعقبى والعاقبة بمعنًى، وهي الآخرة، والمعنى: عاقبة طاعة الله خير من عاقبة طاعة غيره.
٤٥ - وبعد أن ضرب المثل لدنيا هؤلاء الكافرين التي أبطرتهم وكانت سبب شقائهم، وهم يظنون أنهم يحسنون صنعًا، ضرب مثلًا لدار الدنيا عامّة في سرعة فنائها، وعدم دوام نعميها. فقال:{وَاضْرِبْ لَهُمْ}؛ أي: واذكر يا محمد لقومك وبيّن لهم {مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا}؛ أي: صفتها العجيبة في فنائها، وبيّن لهم ما يشبهها في زهرتها، ونضارتها، وسرعة زوالها؛ لئلا يطمئنوا إليها ولا يعكفوا عليها، ولا يعرضوا عن الآخرة بالكليّة، وقوله:{كَماءٍ} استئناف (١) لبيان المثل؛ أي: هي كماء {أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ} ليس المراد تشبيه حال الدنيا بالماء وحده، بل بمجموع ما في حيز الأداة؛ أي: صفتها، وحالها وهيئتها كصفة، وحال وهيئة ماء أنزلناه من السحاب {فَاخْتَلَطَ بِهِ}؛ أي: بذلك الماء؛ أي: التف وتكاتف، وتراكم بسبب ذلك الماء {نَباتُ الْأَرْضِ} أشجارها، وزروعها، وحشيشها، حتى خالط بعضه بعضًا، وصار في المنظر في غاية الحسن والنضارة {فَأَصْبَحَ} ذلك النبات؛ أي: فصار ذلك النبات الملتف إثر بهجته، ونضارته {هَشِيمًا}؛ أي: مهشومًا مكسورًا ليبسه، من الهشم، وهو: كسر الشيء الرخو {تَذْرُوهُ الرِّياحُ}؛ أي: تحمله، وتفرقه، وتطيّره وتذهبه وتعدمه، يقال: ذرت الريح الشيء، وأذرته، وذرته أطارته وأذهبته، وذرا هو بنفسه، ويقال: ذرى الحنطة: إذا نقّاها في الريح كما في «القاموس»، وهذه الآية مختصرة من قوله:{إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ} الآية.
شبه الدنيا في نضرتها ثم صيرورتها إلى الزوال بحال نبات اخضرّ والتف، وأزهر، ثمّ صار هشيمًا متفتتًا تنثره الرياح ذات اليمين وذات الشمال، ومن ثمّ ينبغي أن لا يغترن أهلها بها، ولا يفخرن ذوو الأموال الكثيرة بأموالهم، ولا يستكبرن بها على غيرهم، فإنّما هي ظلٌّ زائلٌ، وضيفٌ راحل، وفي الحديث