٥٠ - {قُلْ} يا أيها الرسول الذي بعث، كما بعث غيره من الرسل مبشرًا من أجاب دعوته بحسن الثواب، ومنذرًا من لم يقبلها بسوء العقاب لهؤلاء المكذبين لك بغير علم، يميزون به بين شؤون الألوهية وحقيقة النبوة، فيقترحون عليك من الآيات الكونية ما يعلمون أنه ليس في مقدور البشر، فهم إما أن يقولوه تعجيزًا، وإما أن يظنوا أن الإنسان لا يكون رسولًا إلا إذا خرج من حقيقة البشرية، وصار قادرًا على ما لا يقدر عليه البشر، وعالمًا بكل ما يعجز عنه علم البشر. {لَا أَقُولُ لَكُمْ} أيها المشركون من أهل مكة {عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ}؛ أي: مفاتيح الأمكنة التي يحفظ فيها أرزاق الله، أتصرف في ما خزنه وحفظه فيها من أرزاق العباد وشؤون المخلوقات، فكل هذا لله وحده، يتصرف فيه بما يشاء، فيعطي لعباده من خزائنه بحسب ما أوتي كل منهم من الاستعداد في دائرة ارتباط الأسباب بالمسببات، ولا يقدر أحد أن يتجاوز ذلك إلى ما لم يؤته، ولم يصل إليه استعداده، والمعنى: ليس عندي خزائن الرزق فأعطيكم منها ما تريدون؛ لأنهم كانوا يقولون للنبي - صلى الله عليه وسلم -: إن كنت رسولًا من الله تعالى، فاطلب لنا منه أن يوسع عيشنا، ويغني فقرنا، فأخبر أن ذلك بيد الله تعالى لا بيدي.
فالتصرف المطلق إنما هو لله القادر على كل شيء، وليس من موضوع الرسالة أن يكون الرسول المبلغ عنه أمر الدين قادرًا على ما لا يقدر عليه البشر من التصرف في المخلوقات بالأسباب، فضلًا عن التصرف بغير سبب مما طلبه المشركون منه، وجعلوه شرطًا للإيمان به، كتفجير الينابيع والأنهار في أرض مكة، وإيجاد الجنات والبساتين فيها، وإسقاط السماء عليهم كسفًا، والإتيان بالله والملائكة قبيلًا. {وَلَا} أقول لكم: إني {أَعْلَمُ الْغَيْبَ} فأخبركم بما مضى وما سيقع في المستقبل، وذلك أنهم قالوا له: أخبرنا بمصالحنا ومضارنا في المستقبل حتى نستعد لتحصيل المصالح ودفع المضار، فأجابهم بقوله:{ولا أعلم الغيب} فأخبركم بما تريدون.